آخر خبر جاءني: إنهم بوادي كذا. قد صدقتك، وليس عندي من خبرهم غير هذا، فغمدت سيفي وقلت: ادع لي بطعام فدعا، ثم قمت وقال: اشتدوا بين يدي رسول الملك، حتى يخرج، ففعلوا، وقصدت إلى السرية حتى قدمت عليهم، وخرجت بهم بما غنموا. فهذا أعجب ما كان.
قفل البطال من حجه في السنة التي قتل فيها رحمه الله. وأخبر أنه لم يزل فيما مضى من عمره مشتغلاً عن حجه الإسلام بما فتح له من الجهاد، وأنه سأل الله الحج والشهادة، وأن الله قد قضى عنه حجة، وهو يرجو أن يرزقه الشهادة في عامه هذا، ثم مضى إلى منزله، وغزا في عامه، فاستشهد. رحمه الله تعالى.
وكان ليون طاغية الروم قد خرج في نحو من مئة ألف، وأشار البطال على مالك بن شبيب - مقدم الجيش - باللحاق ببعض مدن الروم، والتحصن بها حتى يلحقهم الأمير سليمان بن هشام فعصاه في إشارته. قال: ولقينا ليون، فقاتل مالك ومن معه حتى قتل في جماعة من المسلمين، والبطال عصمة لمن بقي من الناس، فتجمعوا عليه وشد عليهم، فذكر بعض من كان معه اسمه فشدت عليه فرسان الروم حتى شالته برماحها عن سرجه، وألقته إلى الأرض، وأقبلت تشد على بقية المسلمين، والناس معتصمون بسيوفهم حتى كان مع اصفرار الشمس، وليون طاغية الروم قد نزل عن دابته، فضربت له مغارة، وأمر برهبانه وأساقفته فأحضروا، فرفع يده ورفعوا أيديهم يستنصرون على المسلمين، ورأوا من قلتهم وقلة من بقي، قال: ناد يا غلام برفع السيف، وترك بقية القوم لله، وانصرفوا بنا إلى معسكرنا، والقوم في بلادنا، نفاديهم، فدخل وانصرف إلى معسكره، وبات، وأمر البطال منادياً ينادي: أيها الناس، عليكم بسنادة، فادخلوها وتحصنوا فيها، وأمر البطال رجلاً على مقدمتهم وآخر على ساقتهم لا يخلف جريحاً ولا ضعيفاً فيما قدر عليه وثبت في مكانه، وثبت معه قريب له في ناسٍ من مواليه، وأمر من يسير في أوائلهم ويقول: أيها الناس، الحقوا فإن البطال يسير بأخراكم، وأمر من يقول في أخراهم. أيها الناس، الحقوا فيإن البطال في أولاكم، يهديكم الطريق، ويهيئ