فأجابه أبو مسلم: أما بعد، فقد قرأت كتابك، فرأيتك فيه للصواب مجانباً، وعن الحق حائداً، إذ تضرب فيه الأمثال على غير أشكالها، وتضرب لي فيه آيات منزلة " من الله في الكافرين، وما يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. وإني والله ما انسلخت من آيات الله، ولكن يا عبد الله بن محمد كنت رجلاً متأولاً فيكم من القرآن آياتٍ أوجبت لكم بها الولاية والطاعة، فأتممت بأخوين لك من قبلك، ثم بك من بعدهما؛ فكنت لهم شيعة " متديناً، أحسبني هادياً، وأخطأت في التأويل، وقديماً لعمري ما أخطأ المتأولون المريدون بذلك وجه الله تعالى، المبتغون إقامة حكم الله سبحانه. وفيما أنزل الله سبحانه من القرآن:" إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل: سلام عليكم "، إلى قوله:" فإنه غفور رحيم " ومن رسالة أخرى كتبها إليه أبو جعفر: أيها الفاسق، إني وليت موسى بن كعب خراسان، وأمرته بالمقام بنيسابور، فإن أردت خراسان لقيك دونها بمن معه من قوادي وشيعتي. وأنا موجه للقائك أقرانك، فاجمع كيدك وأمرك غير مسددٍ، ولا موفق، وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل.
وسفرت بين أبي مسلم وأبي جعفر السفراء، وأخذوا له الأمان، فأقبل حتى دخل على أبي جعفر، وهو يومئذ بالرومية من المدائن، فأمر الناس، فتلقوه، وأذن له، فدخل على دابته، ورحب به، وعانقه، وقال: كدت تخرج قبل أن أفضي إليك بما أريد، قال: أتيت يا أمير المؤمنين، فمر بأمرك، قال: انصرف إلى منزلك، وضع ثيابك، وادخل الحمام، واسترح عنك كلال السفر.
وجعل أبو جعفر ينتظر به الفرص، ويريه من الإكرام ما لم يره قبل ذلك حتى إذا مضت أيام أقبل على التجني عليه. فأتى أبو مسلم عيسى بن موسى، فقال: اركب معي إلى أمير المؤمنين، فإني قد أردت عتابه، قال عيسى: تقدم حتى آتيك، قال أبو مسلم: