قيل لعبد الملك بن مروان في مرضه: كيف تجدك، يا أمير المؤمنين؟ قال: أجدني كما قال الله تعالى: " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرةٍ، وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون " واستأذن قوم على عبد الملك بن مروان، وهو شديد المرض، فقالوا: إنه لما به، فقالوا: إنما ندخل لنسلم قياماً ثم نخرج، فدخلوا عليه وقد أسنده خصي إلى صدره، وقد اربد لونه، وجرى منخراه، وشخصت عيناه، فقال: إنكم دخلتم علي في حين إقبال آخرتي، وإدبار دنياي، وإني تذكرت أرجى عمل لي فوجدته غزوة " عزوتها في سبيل الله، وأنا خلو من هذه الأشياء، فإياكم وإيا أبوابنا هذه الخبيثة أن تطيفوا بها.
ولما نزل به الموت أمر بفتح باب القصر، فإذا بقصار يضرب بثوب له على حجر، فقال: ما هذا؟ فقالوا: قصار، قال: يا ليتني كنت قصاراً.
وقال: والله وددت أني عبد لرجلٍ من تهامة أرعى غنماً في جبالها، وأني لم أل من أمر الناس شيئاً ودعا بنيه فأوصاهم، ثم لم يزل بين مقالتين حتى فاضت نفسه: الحمد لله الذي لا يبالي أصغيراً أخذ من ملكه أم كبيراً، والأخرى: من الوافر
فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار
وكان آخر ما تكلم به عد موته: اللهم إن تغفر تغفر جماً، ليتني كنت غسالاً أعيش بما أكتسب يوماً بيوم.
في حديث سعيد بن المسيب أنه قال ذات يوم: اكتب يا برد أني رأيت موسى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي على البحر حتى صعد إلى قصرٍ، ثم أخذ برجلي شيطانٍ، فألقاه في البحر، وإني لا أعلم نبياً هلك على رجله الجبابرة ما هلك على رجل موسى. وأظن هذا قد هلك - يعني عبد الملك - فجاءه نعيه بعد أربعٍ.