الله! ألا تحفظ حديث بلدك!؟ هذا حديث مخرجه من عندكم، ولاتحفظه؟ وأبو زرعة ساكت، والشاذكوني يخجله، ويرى من حضر أنه قد عجز عن الجواب، فلما خرجنا رأيت أبا زرعة قد اغتم، ويقول: لا أدري من أين جاء بهذا الحديث؟! فقلت له: إنه وضعه في الوقت كي لا يمكنك أن تجيب عنه، فتخجل. فقال أبو زرعة، هكذا، قلت: نعم، فسري عنه.
قال عبد الله بن محمد بن وهب الحافظ: كنا عند أبي زرعة ورجل من أهل العراق قد جمع أحاديث من الغرائب الطنانات يسأله عنها، وهو يجيب حتى عجز السائل، وجهد أن يتوقف عن الجواب بحديث واحد، فلم يقدر عليه، فقال السائل: أقول في أذنك شيء؟ قال: قل. فتقدم، وأسمعه في أذنه شتمة، فقال له أبو زرعة: الاشتغال بالعلم أولى بنا.
قال الحسن بن الليث الرازي: قدمت على أحمد بن حنبل، فقلت: عندنا بالري شاب يكتب عنه، فقال: من هو؟ فقلت: شاب يكنى أبا زرعة، فقال: شاب شاب؟! كالمنكر لذلك، اكتبوا عنه، أعلى الله كعبه، نصره الله على مخالفيه. فلما رجعت الري أخبرت أبا زرعة بما سمعت من أبي عبد الله، فبكى، ثم قال: والله إني لأكون في الشدة الشديدة من أهل الري فأتوقع أن يكشف الله عني بدعاء أبي عبد الله.
قال أبو حاتم الرازي: حدثني أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد القرشي - رضي الله عنه، وما خلف بعه مثله علماً وفهماً - وفي رواية: وفقها - وصيانة وصدقاً. وهذا مالا يرتاب فيه، ولا أعلم في المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله، ولقد كان من هذا الأمر بسبيل.
وقال: لم يكن في أمةٍ من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة. فقال له رجل: يا أبا حاتم، وربما رووا حديثاً لا أصل له، ولا يصح، فقال: