كانت في والدي رقدة لا أحتملها، فضويت إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان فقبلني بأحسن قبول، وحللت منه محل والده، فقال لي يوماً: اخرج إلى شيخ يقف كثيراً على الباب، ولا يترجل إذا رآني، فقل له: قد ألححت علي وأنت ثقيل على قلبي، فليس لك عندي عمل ولا عائد، فانصرف عني وإلا حبستك سنة، وقرن بي من يرتئيه من غلمانه، فخرجت فأديت إليه الرسالة فقال: والله ما أدري ممن أتعجب، أمن المرسل بهذه الرسالة أم من المرسل؟ قل له: أما تبرمك بي، واستثقالك لي، فوالله ما أتيت قصداً لك، ولا رغبة إليك في سواد ليل ولا ضوء نهار، ولكنك أجلست في طريق أرزاقنا فلا بد من الاجتياز بك، وإن كان رجاء العاقل منوطاً بالله دونك، وليس لك إعطاء ما منع الله، ولا منع ما أعطى. ثم تضاحك، وقال: وأعجب ما في رسالتك تواعدك إياي بحسبي سنة، فيا ويحك، من ملكك الزمان المستقبل حتى تتحكم في هذا التحكم؟ وتتوعد به هذا التوعد؟ ولعله يجري عليك فيه من المكروه أكثر مما نويته لي.
وكانت إشارته، وفحوى كلامه يدلان على استصغار موارد أمورنا ومصادرها، فدخلت إليه فقال لي: ما أجابك به؟ فقلت: هو مجنون، فقال: لا تغالطني فيه، هو يعقل إلا أنه حسن الكلام، فبحياتي لما قصصت لي جوابه، فقابلت جهة من الدار، وأعدت عليه جميع ما تكلم به، فقال: قد والله ابتليت به. وركب، فتلقاه بمثل ما كان تلقاه، ودخل عبيد الله إلى أمير المؤمنين، فما أطال حتى خرج إلي غلام له، كان يدخل بدخوله، فقال: الشيخ الذي كلمته اليوم وأجابك، فبعثت إليه من جاء به، فسار به مسرعاً حتى أدخله إلى أمير المؤمنين، وقام مقدار ساعة ثم خرج ومعه ثلاث توقيعات بين أصابعه، فقال لي: يشكر الله عز وجل ولأمير المؤمنين. ومضى.
وانتظرت الوزير على عادتي حتى خرج، فوالله ما صبر إلى دخول داره حتى حدثني بحديثه في الطريق، قال: دخلت وقد غلب علي الغيظ من رسالة هذا الشيخ لأنه خلط فيها التأله وما بنيت عليه الدنيا من سر تقلبها، فبعض الرسالة يحركني على مساءته،