وقلت: يا بن عباس، إن ثقتك بأحلامنا أسرعت بك إلى أعراضنا، وقد والله تقدم فيك العذر، وكثر من الصبر، ثم أقذعته فجاش بي مرجله، وارتفعت أصواتنا، فجاء القوم فأخذوا بأيدينا، فنجوه عني ونحوني عنه، قال: فجئت فقربت من عمرو بن العاص، فرماني بمؤخر عينه: أي ما صنعت؟ فقلت له: كفيتك التقوالة، قال: فحمحم كما يحمحم الفرس للشعير. قال: وفات ابن عباس أول الكلام فكره أن يتكلم في آخره.
قال عتبة بن أبي سفيان: العجب من علي بن أبي طالب ومن طلبه الخلافة، وما هو وهي!؟ فقال له معاوية: اسكت يا وره، فوالله إنه منها كخاطب الحرة إذ يقول: من الطويل
لئن كان أدلى خاطب فتعذرت ... عليه وكانت رائداً فتخطت
لما تركته رغبة عن حباله ... ولكنها كانت لآخر خطت
حج عتبة سنة إحدى وأربعين، والناس قريب عهدهم بالفتنة، فصلى بمكة الجمعة، ثم قال: يا أيها الناس إنا قد ولينا هذا المقام الذي يضاعف عهدهم للمحسن فيه الأجر، وعلى المسيء فيه الوزر، ونحن على طريق ما قصدنا، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا، فإنها تنقطع دوننا، ورب متمن حتفه في أمنيته، فاقبلوا العافية ما قبلناها فيكم وقبلناها منكم، وإياكم ولو، فإنها أتعبت من كان قبلكم، ولن تريح من بعدكم، وأنا أسأل الله أن يعين كلاً على كل. قال: فصاح به أعرابي: أيها الخليفة، قال: لست به ولم تبعد، فقال: يا أخاه، فقال: قد سمعت فقل، فقال: تالله أن تحسنوا وقد أسأنا خير من أن تسيئوا وقد أحسنا، فإن كان الإحسان لكم دوننا فما أحقكم باستتمامه، وإن منا كان منا فما أولاكم بمكافأتنا، قال