يا هؤلاء، احضروا رجلاً يموت، فاشهدوا على ما يقول، ومروه بالوصية، ولقنوه. قال: فقمنا معها فأتينا رجلاً يجود بنفسه، فكلمناه، وإذا حوله بنون له صبية صغار، لو غطيت عليهم مكتلاً لغطاهم، كأنما ولدوا في يوم واحد، ستة أو سبعة، فلما سمع كلامنا فتح عينيه فبكى، ثم قال: من الكامل
يا ويح صبيتي الذين تركتهم ... من ضعفهم ما ينضجون كراعا
قد كان في لوان دهراً ردني ... لبني حتى يبلغون متاعا
قال: فأبكانا جميعاً، ولم نقم من عنده حتى مات، فدفناه وقدمناه على الوليد فذكرنا ذلك له، فبعث إلى عياله وولده فقدم بهم عليه، وقضى لهم وأحسن إليهم.
وحدث عثمان: أن ابن عمر كان أحفى شاربه، كأنه قد نتفه، وكان يرفع إزاره.
قال عثمان بن إبراهيم وكان جزلاً موجهاً ذا عارضة قال: أتاني فتى من قريش يستشيرني في امرأة يتزوجها، فقلت: يابن أخي، أقصيرة النسب أم طويلته؟ قال: فكأنه لم يفهم، فقلت: يابن أخي، إني أعرف في العين إذا أنكرت، وأعرف فيها إذا عرفت، وأعرف فيها إذا هي لم تعرف ولم تنكر، أما هي إذا عرفت فتحواص، وأما هي إذا أنكرت فتجحظ، وأما هي إذا لم تعرف ولم تنكر فتسجو. القصيرة النسب يا ابن أخي التي إذا ذكرت أباها اكتفيت، والطويلة النسب التي لا تعرف حتى تطيل، وإياك يابن أخي وأن تقع في قوم قد أصابوا غثرة من الدنيا دناءة، فتضع نفسك بهم.
قوله: تسجو: أي تسكن، والغثرة والكثرة ها هنا بمعنى، ويقال لعوام الناس: الغثر.