لك المال، وأحملك إليه حتى لا تتعب. فجلس وقصدت إلى طلب الماء يميناً وشمالاً، فبينا أنا أدور رأيت عيناً شبه البركة، فلم أملك نفسي أن خلعت ما كان علي وطرحت نفسي فيها، فتغسلت وشربت من مائها، وجئت إلى أبي فوجدته قد قضى، فواريته؛ وانصرفت أطلب أمير المؤمنين، فوصلت للعسكر ليلاً فبت؛ فلما كان من غد جئت فوقفت على باب خيمته، فخرج وقدم له بغلة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم أن يركب، فأسرعت أن أقبل ركابه فنفحني بركابه أو قال: بالمهماز فشجني هذه الشجة وكشف عن رأسه فرأينا أثر الشجة قال: فتأخرت عنه، فنزل وصاح إلي: ادن مني فأنت الأشج. فدنوت منه، فمر يده علي وقال لي: حدثني بحديثك. فحدثته ما كان مني ومن أبي إلى أن وصلت العين، كيف سبحت فيها وشربت من مائها، فقال لي: يا بني تلك عين الحياة، اللهم عمره، اللهم عمره. يقولها ثلاثاً، وقال: أنت المعمر أبو الدنيا، اسمع ما أحدثك به: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى أن الدين قبل الوصية، وأنتم تقرون أو تقضون " من بعد وصية يوصي بها أو دين " وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون العلات، الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه.
قال أبو الفتح أحمد بن علي الجزري: سافرت إلى أرض إفريقية فلما وصلنا إلى القيروان وقف بنا رجل يسأل الناس، فروى لنا خبراً ممن هذه الأخبار، فقلت له: من أين لك هذا؟ قال: عندنا بالقيروان رجل مقعد يروي هذا الخبر مع أخبار جماعة. فمضيت إلى أبي عمران الفقيه المالكي وكان مقدماً بالقيروان فقصصت عليه الخبر، فقلت له: أخبرني بها أكتبها عنك. فقال لي: لا يجوز أن أمليها أنا. قلت: ولم ذلك؟ قال: فيها خبر لا يجمع عليه العامة. قلت: وما هو؟ قال: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سألت الله أن يجعلها أذنك ففعل. فأنت الأذن الواعية. فكيف يجوز أن يكون الأذن الواعية، ويتقدمه أحد من الناس؟.