إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعذر من الزاد ويقول: والله ما أصبح عند آل محمد سفة من طعام، ولكنك ترجع ويكون خير. فلما قدم على أبي بكر أعطاه ثلاثين فريضة، فقال عدي: يا خليفة رسول الله، أنت اليوم أحوج وأنا عنها غني. فقال أبو بكر: خذها فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعذر إليك ويقول: ترجع ويكون خير. فقد رجعت وجاء الله بخير، فأنا منفذ ما وعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته. فأنفذها، فقال عدي: آخذها الآن فهي عطية من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال أبو بكر فذاك.
قالوا: وكانت تلك الصدقات مما جهز أبو بكر بها من نهض لقتال أهل الردة.
قالوا: وكان عدي بن حاتم أحزم رأياً وأفضل في الإسلام رغبة ممن كان فرق الصدقة في قومه، فقال لقومه: لا تعجلوا، فإنه إن يقم لهذا الأمر قائم ألفاكم ولم تفرقوا الصدقة، وإن كان الذي تظنون، فلعمري إن أموالكم بأيديكم لا يغلبكم عليها أحد، فسكتهم بذلك وأمر ابنه أن يسرح نعم الصدقة، فإذا كان المساء روحها، وإنه جاء بها ليلة عشاء فضربه، وقال: ألا عجلت بها، ثم أراحها الليلة الثانية فوق ذلك قليلاً، فجعل يضربه ويكلمونه فيه، فلما كان اليوم الثالث قال: يا بني، إذا سرحتها فصح في أدبارها وأم بها المدينة، فإن لقيك لاق من قومك أو من غيرهم فقل: أريد الكلأ تعذر علينا ما حولنا، فلما جاء الوقت الذي كان يروح فيه لم يأت الغلام، فجعل أبوه يتوقعه ويقول لأصحابه، العجب لحبس ابني! فيقول بعضهم: نخرج يا أبا طريف فنبتعثه؟ فيقول: لا والله، فلما أصبح تهيأ ليغدو، فقال قومه: نغدو معك؟ فقال: لا يغدون معي منكم أحد، إنكم إن رأيتموه حلتم بيني وبين أن أضربه وقد عصى أمري كما ترون، أقول له: تروح الإبل بسفر، فليلة