للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منقار الآخر، فغضب كسرى ولحقته غيرة، فقال للمرزبان وابنه: ليرم كل واحد منكما واحداً من هذين الطائرين، فإن قتلتماهما أدخلتكما بيت المال وملأت أفواهكما بالجواهر، ومن أخطأ منكما عاقبته، فاعتمد كل واحد منهما طائراً ورميا فقتلاهما، فبعث بهما إلى بيت المال فملئت أفواههما جوهراً، وأثبت شاهان مرد وسائر أولاد المرزبان في صحابته، فقال فروخ ماهان: عندي غلام من العرب مات أبوه وخلفه في حجري، وهو أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية، واملك محتاج إلى مثله، فإن رأى أن يثبته في ولدي فعل، قال: ادعه. فأرسل إلى عدي بن زيد، وكان جميل الوجه فائق الحسن، وكانت الفرس تتبرك بالجميل الوجه، فلما كلمه وجده أظرف الناس وأحضرهم جواباً، فرغب فيه وأثبته معه ولد المرزبان، فكان عدي أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى، فرغب أهل الحيرة في عدي ورهبوه، ففلم يزل بالمدائن في ديوان كسرى يؤذن له عليه في الخاصة، وهو معجب به، قريب منه، وأبوه زيد بن حمار يومئذ حي، إلا أن ذكر عدي قد ارتفع، وخمل ذكر أبيه، فكان إذا دخل إلى المنذر قام جميع من عنده حتى يقعد عدي.

ثم إن كسرى أرسل عدي بن زيد إلى ملك الروم بهدية من طرف ما عنده، فلما أتاه عدي بها أكرمه وحمله على البريد إلى أعماله ليريه سعة أرضه وعظم ملكه، فمن ثم وقع عدي بدمشق وقال فيها الشعر.

قال: وفسد أمر الحيرة وعدي بدمشق، حتى أصلح أبوه بينهم، وذلك لأن الحيرة حين كان عليها المنذر أرادوا قتله لأنه كان يعدل فيهم، وكان يأخذ من أموالهم ما يعجبه، فلما تيقن أن أهل الحيرة أجمعوا على قتله، بعث إلى زيد بن حمار، وكان قبله على الحيرة، فقال له: يا زيد، أنت خليفة أبي، وقد بلغني ما أجمع عليه أهل الحيرة، فلا حاجة لي في ملككم، دونكموه فملكوه من شئتم. فقال له زيد: إن الأمر ليس إلي، ولكني أشير إلى هذا الأمر ولا آلوك نصحاً. فلما أصبح غدا إليه الناس فحيوه تحية الملك، وقالوا له: ألا تبعث إلى الظالم يعنون المنذر فتريح منه رعيتك؟ قال لهم: أفلا خير من ذلك؟ قالوا له: أشر علينا. قال: تدعونه على حاله فإنه من أهل بيت ملك، وأنا آتيه

<<  <  ج: ص:  >  >>