أبوه يفعل يجاور هذين الحيين بإبله، ولم يزل كذلك حتى تزوج هند بنت النعمان بن المنذر، وهي يومئذ جارية حتى بلغت أو كادت.
وكان المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان في حجر عدي بن زيد، فهم الذين أرضعوه وربوه، وكلن للمنذر ابن آخر يقال له: الأسود، أمه مارية بنت الحارث بن جلهم من تيم الرباب، فأرضعوه ورباه قوم من أهل الحيرة يقال لهم بنو مرينا، ينتسبون إلى لخم، وكانوا أشرافاً، وكان للمنذر سوى هذين من الولد عشرة، وكان ولده يقال لهم: الأشاهب من جمالهم، ولذلك أعشى قيس بن ثعلبة: من الخفيف:
وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصيراً، وأمه سلمى بنت وائل بن عطية الصائغ من أهل فدك، فلما احتضر المنذر أوصى بولده إلى إياس بن قبيصة الطائي وملكه على الحيرة إلى أن يرى كسرى بن هرمز رأيه، فمكث مملكاً عليها أشهراً وكسرى في طلب رجل يملكه عليهم، فلم يجد أحداً يرضاه، فضجر وقال: لأبعثن إلى الحيرة اثني عشر ألفاً من الأساورة، ولأملكهن عليهم رجلاً من الفرس، ولآمرنهم أن ينزلوا على العرب في دورهم ويملكوا عليهم أموالهم ونساءهم. وكان عدي بن زيد واقفاً بين يديه، فقال: ويحك يا عدي! من بقي من آل المنذر، وهل فيهم أحد فيه خير؟ قال له: نعم أيها الملك، إن فيهم لبقية وفيهم كل خير. قال: ابعث إليهم فأحضرهم. فبعث عدي إليهم، فأحضرهم وأنزلهم جميعاً عنده، فلما نزلوا عليه أرسل النعمان: لست أملك غيرك فلا يوحشك ما أفضل به إخوتك عليك من الكرامة، فإني أغترهم بذلك. ثم كان يفضل إخوته جميعاً عليه في النزل والإكرام والملازمة ويريهم تنقصاً للنعمان، وأنه غير طامع في تمام أمر على يده، وجعل يخلو بهم رجلاً رجلاً فيقول: إذا أدخلتم على الملك فالبسوا أفخر ثيابكم