ثم انصرق عروة إلى أهله، فأخذه البكاء والهلاس حتى لم يبق منه شيء فقال أناس: إنه لمسحور، وإن به جنة، وإنه لموسوس، وباحضارم من اليمامة طبيب يقال له سالم، له تابع من الجن، وهو أطب الناس، فساروا إليه وجاؤوا به، فجعل يشفيه وينشر عنه، فقال له عروة: يا هناه، هل عندك للحب من رقية؟ قال: لا والله. فانصرفوا حتى مروا بطبيب بحجر فعالجه، وصنع به مثل ذلك، فقال له عروة: ما دوائي إلا شخص مقيم بالبلقاء. فانصرفوا به وهو يقول:
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف حجر إن هما شفياني
وزاد في حديث آخر: أن عروة قال لأهله: إن نظرت إلى عفراء ذهب وجعي، فخرجوا به حتى نزلوا البلقاء مستخفين، فكان لا يزال يلم بعفراء ينظر إليها، وكانت عند رجل سيد كثير المال والغاشية، فبينا عروة يوماً بسوق البلقاء إذ لقيه رجل من بني عذرة. فسأله متى قدم؟ فأخبره، فلما أمسى الرجل تعشى مع زوج عفراء، ثم قال: متى قدم هذا الكلب عليكم الذي قد فضحكم؟ قال زوج عفراء: أنت أولى بأن تكون كلباً منه، ما علمت على عروة إلا خيراً، ولا رأيت فتى في العرب أحيا منه، ولا علمت بمقدمة، ولو علمت لضممته إلى منزلي. فلما أصبح غدا يستدل عليهم حتى جاءهم، فقال لهم: أنزلتم ولم تروا أن تعلموني منزلكم، علي وعلي إن كان منزلكم عندي. فقالوا: نعم. نتحول إليك هذه الليلة أو من غد. فلما ولوا قال عروة: قد كان من الأمر ما ترين، ولئن أنتن لم تخرجن معي لأركبن رأسي، الحقوا بقومكم، فليس بي بأس. فقربوا ظهرهم فارتحلوا،