يرى ويعقل، فاستوى جالساً، فقال له الملك: كم لبثت؟ قال: لبثت يوماً، وذلك أنه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة، وبعث في آخر النهار، والشمس لم تغب، فقال: أو بعض يوم، ولم يتم لي يوم، فقال له الملك: بل لبثت مئة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك، يعني الطعام الخبز لليابس، وشرابه العصير الذي كان اعتصر في القصعة فإذا هما على حالهما لم يتغيرا، العصير والخبز يابس، فذلك قوله:" لم يتسنّه " يعني: لم يتغيّر، وكذلك التين والعنب غضّ لم يتغير عن شيء من حالهم، فكأنّه أنكر في قلبه.
قال: فركب حماره حتى أتى محلته، فأنكره الناس، وأنكر الناس، وأنكر منازله؛ فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله، فإذا بعجوز عمياء مقعدة، قد أتى عليها مئة وعشرون سنة كانت أمةٌ لهم، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة، وكانت عرفته وعقلته، فلما أصابها الكبر أصابها الزمانة. فقال لها عزير: يا هذه، أهذا منزل عزير؟ قالت: نعم، هذا منزل عزير! فسكت. وقالت: ما رأيت أحداً من كذا وكذا سنة يذكر عزيراً، وقد نسيه الناس. قال: فإني أنا عزير، قالت: سبحان الله! فإن عزيراً قد فقدناه منذ مئة سنة، فلم نسمع له بذكر. قال: فإني أنا عزير كان الله أماتني مئة سنة