للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عظمة الله عز وجل وقدرته إذ رأيت طائراً أبيض مثل النعام كبيراً قد وقع على تلك الصخرة، وأومأ إلى صخرة بيضاء، فتقايا رأساً ثم رجلاً ثم ساقاً، وإذا هو كلما تقايا عضواً من تلك الأعضاء التأمت بعضها إلى بعض أسرع من البرق الخاطف بقدرة الله عز وجلن حتى استوى رجلاً جالساً بقدرة الله، فإذا هم بالنهوض نقره الطائر نقرة قطعه أعضاءً ثم يرجع فيبتلعه.

فلم يزل على ذلك أياماً؛ فكثر تعجبي، وازددت يقيناً بعظمة الله عز وجل، وعلمت أن لهذه الأجساد حياة بعد الموت، فلم يزل على ذلك أياماً، فالتفت إليه يوماً، فقلت: أيها الطائر، سألتك بحق الله الذي خلقك وبرأك إلا أمسكت عنه حتى أسائله فيخبرني بقصته. فأجابني الطائر بصوت عربي: الخلق لذي الملك وله البقاء الذي يفني كل شيء ويبقى، أنا ملك من ملائكة الله موكل بهذا الجسد لما أجرم وجرى عليه من قضاء الله، وأمرني الله أن آتي هذا المكان لتسأله وتخاطبه، ليخبرك بما كان منه، فسله. فالتفت إليه، فقلت: يا هذا الرجل المسيء لنفسه ما قصتك؟ ومن أنت؟ قال: أنا عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي، وإني لما قتلته وصارت روحي بين يدي الله عز وجل، ناوني صحيفة مكتوبة، فيها ما عملته من الخير والشر منذ يوم ولدتني أمي إلى أن قتلت عليّ بن أبي طالب، وأمر الله هذا الملك بعذابي إلى يوم القيامة، فهو يفعل فيّ ما تراه، ثم سكت فنقره الطائر نقرة نثر أعضاءه بها، ثم جعل يبتلعه عضواً عضواً. فلما فرغ منه، قال: يا آدمي: إن ماض عنك، وخير وصيتي لك: أن تتقي الله في سرك وعلانيتك، فهذا جزاء من قتل نفساً زكية، قد كتب لها السعادة من الله عز وجل، وكتب على قاتلها النار والعذاب من الله عز وجل، وقد أتاني رسول الله أن أمضي بهذا الجسد جزيرة في البحر الأسود الذي تخرج منه هوام أهل النار فأعذبه إلى يوم القيامة.

كان عصمة مقيماً بمصر، تحول إلى دمشق.

وذكر الفضل بن جعفر أنه سمع من عصمة سنة ثلاث مئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>