فلما قدم دينار إفريقية كره أن ينزل في الموضع الذي اختط عقبة بن نافع، فمضى حتى خلّفه بميلين، ثم نزل بموضع يقال له: أبت كروان فابتناه ونزله.
وخرج عقبة بن نافع منصرفاً إلى المشرق حنقاً على أبي المهاجر، وكان أساء عزله، فدعا الله أن يمكنه منه، وبلغ ذلك أبا المهاجر، فلم يزل خائفاً منه مذ بلغته دعوته. فقدم عقبة بن نافع على معاوية فقال: الله! إني فتحت البلاد ودانت لي، وبنيت المنازل، وبنيت مسجد الجماعة، وسكّنت الرجال، ثم أرسلت عبد الأنصار، فأساء عزلي! فاعتذر إليه معاوية، وقال: قد عرفت مكان مسلمة بن مخلّد من الإمام المظلوم رحمه الله، وتقديمه إياه على من سواه، ثم قيامه بعد ذلك بدمه، وبذل مهجة نفسه محتسباً صابراً مع من أطاعه من قومه ومواليه، وقد رددتك على عملك والياً.
قال عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة: لما ولّى مسلمة بن مخلّد أبا المهاجر إفريقية أوصاه بتقوى الله، وأن يسير بسيرةٍ حسنةٍ، وأن يعزل صاحبه أحسن العزل؛ فإن أهل بدله يحسنون القول فيه، فخالفه أبو المهاجر، فأساء عزله. فمر عقبة بن نافع على مسلمة بن مخلد، فركب إليه مسلمة، يقسم له بالله، لقد خالفه ما صنع، ولقد أوصيته بك خاصة.
ولم يوله معاوية، ولكنه أقام حتى مات معاوية، فولاه يزيد بعد ذلك.
وعن عقبة بن نافع: وكان قد استشهد بإفريقية أنه أوصى ولده، فقال: لا تقبلوا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عن ثقة، ولا تديّنوا وإن لبستم العبا، ولا تكتبوا ما يشغلكم عن القرآن.
وروى الليث: أن عقبة بن نافع قدم من عند يزيد بن معاوية في جيش على غزو المغرب، فمر على عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو بمصر، فقال له: يا عقبة، لعلك من الجيش الذين