ابنتك من النار، ويدخل عليه في قبرها السرور والرّحمة. فقال لي: وفقت وأشرت بخير.
قال: فكفّنها بمئة، وتصدق بالباقي عنها.
قال صالح، فحرست قبرها ثلاث ليال، أصلي عند قبرها ألف ركعة، فلما كان في الليلة الرابعة، وقد طلع الفجر، وأصبت نعسة، وأذن المؤذن، فأخذت لبنة فوضعتها تحت رأسي، فما هو إلا أن ذهبت في النوم، فإذا بنت القاضي قائمة بين يديّ، عليها ثياب أهل الجنة وحلي أهل الجنة.
قلت: يا هذه، من أنت التي قد ألبسها الله البهاء والنور؟ قال: صاحبة القبر بنت القاضي، جئت أشكرك، نوّر الله قبرك، وجزاك عني أفضل الجزاء كما أشرت بالخير في الصدقة عني، إن الله تبارك وتعالى قد نوّر قبري، وأدخل قبري السرور والرحمة، قم حتى أريك ما أعد الله تعالى لمن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله.
فنهضت معها وفي يدها مصباح من بلور، والقبر روضة خضراء كأحسن ما يكون، وإن القبور قد أقبل أهلها، وقد جلس كلّ ميت على شفير قبره، قد ألبسهم الله البهاء والنور. قالت: هؤلاء الذين ماتوا وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، ادن منهم، وكلّمهم فإنهم يكلّمونك.
قلت: يا سبحان الله! موتى موتى يكلّمون الأحياء؟! قالت: وأنا ميتة، وقد أذن الله لي وكلمتك.
فلما دنوت منهم قالوا بأجمعهم: جزاك الله خيراً من مؤنس، إنا نسمع قرآنك ودعاءك لا نقدر أن نجيبك، وأنتم يا معشر الأحياء تعملون الخيرات، ولا تدرون ما لكم عند الله عزّ وجلّ من الدّرجات، فإذا أصبحت فأت المسجد الجامع فأقرئ أهالينا السّلام، وقل لهم: موتاكم يقرؤون عليكم السلام ويقولون: جزاكم الله عنا خيراً، فإن هداياكم تأتينا بكرة وعشياً، فقلت: وما الهدايا؟ قالوا: الدعاء والصدقة، إن الصدقة شيء عظيم يطفئ غضب الرّب، ودعاء الأحياء يدعون لنا الله عزّ وجلّ فيستجيب الله لهم فينا، فيدخل علينا في قبورنا السرور والرحمة.