للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الكبر، يحرك شفتيه بالتحميد والتسبيح، وهو يقول: يا سيدي ومولاي خدمتك منذ ثلاثة أيام، فلما دنا قلت: يا شيخ، قال: يا سعديك، قلت: ما أرى معك أحداً، فلمن تناجي؟ قال: أناجي سيد السادات، ومالك الملوك، ومولى المولى، قد عودني في كل ثلاثة أيام قرصاً أفطر عليه، وهذا حاجتي إليه. قلت: إن الله عز وجل قد أجاب دعوتك. ودفعت إليه الرغيف، فقال: رضي الله عنك وعمن تصدق به عن جميع المسلمين.

قال صالح: ومضيت في الليلة الرابعة لأحرس قبر ابنه القاضي، فلما قرأت حزبي وصليت وردي نمت، فإذا أنا بابن العجوز على أحسن الناس وجهاً، وأطيب رائحة، فقال: نوّر الله قبرك، وجزاك عني أفضل الجزاء، إن الله عز وجل قد نوّر قبري، وأدخله السرور والرحمة بدعاء والدتي ودعاء الفقراء لي. إن الصدقة شيء عجيب تطفئ غضب الرب، فإذا أصبحت فأقرئ والدتي السلام، وأعلمها أن الصدقة وصلت، وقل لها: لا تقطعي الصدقة، فإن قليل الخير عند الله كثير.

قال: فانتبهت فرحاً، وصرت إلى والدته، فأخبرتها، فسرّت بذلك، وآلت على نفسها أنها تتصدق عنه في كل يوم.

قلت: يا صالح قد وعدني مواليك هؤلاء أن يدخلوني على مولاك. قال: هيهات: ما أطمع لك في ذلك لأنه كبير قد أتى عليه مئة وعشرون سنة، وقد احتجب عن الناس منذ عشر سنين. قلت: وعدوني أن يكلموا ابنه الأصغر. فقال: نعم ليس في أولاده أصبح وجهاً منه، ولا أرق قلباً، ولا أرحم بالغريب، وإن للشيخ من صلبه سبعين ذكراً.

قال: فصليت العصر وخرجت، وخرج صالح، فسلمت، فردوا السلام، والتفتوا إلى أخيهم الأصغر، فقالوا: يا أبا الطيب: إنا نعرضك إلى الأجر، وهذا الرجل مقيم في بلدنا منذ أربع حجج، وقد سألنا أن ندخله إلى والدنا؛ لينظر إليه نظرة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " طوبى لمن رآني ورأى من رآني ". قال: نعم وكرامة، فنهض ودق الباب، فخرج خادم ففتح باب القصر، فلما فتحه شممت رائحة المسك والزعفران والياسمين، فسألت الله الجنة، ثم دخلنا من قصر إلى قصر، فإذ الشيخ متكئ على فرش مشيّدة، ووجهه كالقمر ليلة البدر. قال: فقلت: هذا وجه من وجوه أهل الجنة، فوقف ابنه بين

<<  <  ج: ص:  >  >>