الغاسول، فلم تزدد إلا سواداً، ودخلت الحمام ودلّكوني بالأشنان وغير ذلك، فلم أزدد إلا سواداً، ثم انكشف عني السواد بعد ساعات من النهار بقدرة الله، ورجعت إلى لون البياض، وعادت ثيابي كما كانت بياضاً، فحمدت الله تعالى على جميل ستره، واستغفرت الله مما خامر سرّي. فلما كان بعد أيام دخل عليّ والدي، وبيده كتاب، وذكر أنه ورد علي من الجنيد بن محمد يستدعي قدومي عليه، فقال: يا بني، قم واخرج إلى حضرة أستاذك، فقد أكّد في كتابه خروجك إليه. قال: فانحدرت إلى بغداد، فساعة وافيتها قصدت الشيخ فدخلت عليه وهو يصلي، فسلمت عليه، ووقفت حتى سلّم من صلاته، فنظر إليّ شزراً، وقال بغضب: ما استحييت من الله جلّ ثناؤه كنت قائماً بين يديه، فسامرت نفسك شهوة استولت عليك برهة، فأخرجتك من بين يدي الله تعالى باللعن والطرد، ولولا أني دعوت الله تعالى لك، وتبت عنك بظهر الغيب للقيت الله وأنت بذلك الوصف، لا تفيق إلا بمودة من إذا أذنبت تاب وإذا مرضت عادك.
قال ابن جهضم:
ذكرت هذه الحكاية لبعض العلماء، فقال: هذا رفق من الله تعالى به وخيره له إذ لم يسوّد قلبه، وظهر السواد على يديه، وما من ذنب يرتكبه العبد يصرّ عليه إلا اسودّ القلب منه قبل سواد الجسم، لا يجلوه إلا التوبة النصوح، والعقوبة من الله تعالى فليست على قدر الذنب لكنها على قدر إرادة المعاقب وربما كانت في القلب، وهو إمراض القلوب، وربما كانت في الجسد، وربما تكون في الأموال والأهل والأولاد، وقد تكون مؤجلة في الآخرة. نعوذ بالله من سخطه وعقوباته، إلا أن الله جلّ ثناؤه يخوف عباده بمن يشار من عباد الأعلين، يجعلهم نكالاً للأدنين، ويخوف القوم من خلقه بالتنكيل ببعض الخصوص من عباده. حكمة له تعالى وحكم منه.