فقلت له: مرّ حتى أجيء معك، فحين دخلت قلت له: استوثق من الأبواب، فإني أعرف الناس بفضول الحجاب، فأمر بالأبواب فغلقت، ودخلت فإذا عريب جالسة على كرسي، بين يديها ثلاث قدور زجاج. فلما رأتني قامت إلي ثم قالت: ما تشتهي تأكل؟ قلت: قدراً من هذه القدور، فأفرغت قدراً منها بيني وبينها، فأكلنا، ثم قالت: يا أبا الحسن، أخرجت البارحة شعراً لأبي العتاهية فاخترت منه شعراً، قلت: ما هو؟ قالت: الطويل
وإني لمشتاق إلى ظلّ صاحبٍ ... يروق ويصفو إن كدرت عليه
عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن كنت طوع يديه
فصيرناه مجلسنا، فقالت: بقي علي فيه شيء فأصلحه، قلت: ما فيه شيء قالت: بلى، في موضع كذا، فقلت: أنت أعلم، فصححناه جميعاً، ثم جاء الحجّاب، فكسروا الباب فاستخرجت، فأدخلت على المأمون، فجعلت أرقص من أقصى الصحن وأصفق بيدي وأغني الصوت، فسمع، وسمعوا ما لم يعرفوه، فاستظرفوه، فقال المأمون ادن يا علوية، فدنوت، فقال: ردّ الصوت فردّدته سبع مرات، فقال: أنت الذي تشتاق إلى ظل صاحبٍ، يروق ويصفو إن كدرت عليه؟ فقلت: نعم، فقال: خذ مني الخلافة، وأعطني هذا الصاحب بدلها، وسألني عن خبري، فأخبرته، فقال: قاتلها الله، فهي أجل أبزار من أبازير الدنيا.
وقال علوية في مخارق: السريع
أبو المهنا أبداً ذو غرام ... يموت من حبّ طعام الكرام
قد وسم التطفيل في وجهه ... هذا حبيسٌ في سبيل الطعام