فأحبّ أن يقول: لم يخدع أريباً؛ فقد كذّبته بالخلاف عليه. وقال في ذلك شعراً: من الوافر
يشجّعني معاوية بن حرب ... كأنّي للحوادث مستكين
وأني عن معاوية غنيّ ... بحمد الله والله المعين
وهوّن أمر عبد الله عمرو ... وقال له على ما ذاك دين
فقلت له ولم أردد عليه ... مقالته وللشّكوى أنين
ترى أهل العراق يدبّ عنهم ... وعن حرماتهم رجل مهين
فإن جهلوه لم يجهل عليّ ... وغبّ القول يحمله السّمين
ولكن خطبه فيهم عظيم ... وفضل المرء فيهم مستبين
فإن أظفر فلم أظفر بوغد ... وإن يظفر فقد قطع الوتين
قال: فلمّا بلغ معاوية شعره غضب من ذلك، وقال: لولا مسيره كان لي فيه رأي. فقال عبد الرّحمن بن أم الحكم: أما والله إن أمثاله من قريش لكثير، ولكنك ألزمت نفسك الحاجة إليه، فألزمها الغنى عنه. فقال معاوية: فأجبه. فقال عبد الرّحمن: من الوافر
ألا يا عمرو عمرو قبيل سهم ... أمن طبّ أصابك ذا الجنون؟
دع البغي الذي أصبحت فيه ... فإن البغي صاحبه لعين
ألم تهرب بنفسك من عليّ ... بصفّين وأنت بها ضنين
حذاراً أن تلاقيك المنايا ... وكل فتى سيدركه المنون
ولسنا عاتبين عليك إلاّ ... لقولك: إنني لا أستكين
عن عمرو بن الحكم، قال: لمّا التقى النّاس بدومة الجندل قال ابن عبّاس للأشعريّ: احذر عمراً فإنّما يريد أن يقدّمك ويقول: أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسنّ منّي؛ فكن متدبّراً لكلامه.