إدريس وعيسى بن يونس، فركب الأمين والمأمون إلى عبد الله بن إدريس فحدثهما بمئة حديث، فقال المأمون لعبد الله: يا عم! أتأذن لي أن أعيدها عليك من حفظي؟ قال: افعل، فأعادها كما سمعها، وكان أبو إدريس من أهل الحفظ يقول: لولا أني أخشى أن ينفلت مني القرآن ما دونت العلم، فعجب عبد الله بن إدريس من حفظ المأمون! وقال المأمون: يا عم، إلى جانب مسجدك دار، إن أذنت لنا اشترناها ووسعنا بها المسجد؟ فقال: ما بي إلى هذا حاجة، قد أجزأ من كان قبلي، وهو يجزيني. فنظر إلى قرحٍ في ذراع الشيخ فقال: إن معنا متطببين وأدوية، أفتأذن أن يجيئك من يعالجك؟ قال: لا، قد ظهر بي مثل هذا وبرأ. فأمر له بمالٍ جائزة، فأبى أن يقبله. وصار إلى عيسى بن يونس، فحدثهما، فأمر له المأمون بعشرة آلاف درهم، فأبى أن يقبلها، فظن أنه استقلها، فأمر له بعشرين ألفاً فقال عيسى: لا ولا إهليلجة، ولا شربة ماءٍ على حديث سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو ملأت لي هذا المسجد ذهباً إلى السقف! فانصرفنا من عنده.
قال جعفر بن يحيى بن خالد: ما رأينا في القراء مثل عيسى بن يونس! أرسلنا إليه فأتانا بالرقة، فاعتل قبل أن يرجع، فقلت له: يا أبا عمرو! قد أمر لك بعشرة آلاف، فقال: هيه فقلت: هي خمسون ألفاً، قال: لا حاجة لي فيها. فقلت: ولم؟ أما والله لأهنئنكها، هي والله مئة ألف. قال: لا والله، لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنة ثمناً، ألا كان هذا قبل أن ترسلوا إلي! فأما على الحديث فلا ولا شربة ماء ولا إهليلجة.
قيل: إن عيسى بن يونس غزا خمساً وأربعين غزوة، وحج خمساً وأربعين حجة، وتوفي سنة سبعٍ وثمانين. وكان ثقةً، ثبتاً.