قال ابن وداع الوراق: مر بلبل المجنون يوماً فجلس إلي ونظر في بعض الكتب التي كانت بين يديه فمر به أبيات فيها: من الطويل
ونهتجر الأيام ثم يردنا ... إلى الوصل أنا لم يكن بيننا ذحل
فقال لي: أتعرف من تمثل بهذا البيت في بعض الأمر؟ قلت: لا، قال: كانت عائشة بنت طلحة تحت مصعب بن الزبير، فعتبت عليه بسبب بعض جواريه فهجرته، فبلغ ذلك منه وانفتق عليه فتق بالبصرة فثار إليه، فرتقه ورجع، فقالت لها أم حبيبة امرأة أبي فروة: لو صرت إلى الأمير فأهديت إليه التهنئة بظفره لسره ذلك. فقامت نحوه، فلما رآها مصعب قال لها: مرحباً بالغضبان العاتب وأنشد:
ونهتجر الأيام ثم يردنا ... إلى الوصل أنا لم يكن بيننا ذحل
فقالت: والله لولا التهنئة لطال الإعراض. ثم أهوت إليه فعانقته فقال: معذرة من سهك الحديد، فقالت: أوذنب ذاك؟ لهو أطيب من ريح المسك. ثم قالت: أفلح الوجه وعلا العقب وليهنك الظفر! يا جواري أرخين الستور وانصرفن. فخلوا لشأنهما. قال ابن وداع: فكتبت هذا ولم ألبث أن مر بنا علام الطاهري، فأقبل علي فقال: من الطويل
بحق الهوى إن كنت ممن يحيه ... تحب غلام الطاهري المقرطقا