فأحضره فقال له: يا هذا ما جلبت علي بوفادتك بغلمانك المغنين؟! ثم دخل إلى يزيد، فلما رآه غلمانه أسرعوا إليه فأعلموه فتناوم، ومضى معاوية، فلما كان الغد بعث إلى يزيد أن مكان القوم لم يخف علي عندك، فلا تعاودن ذلك. فلم يعاود ومضى إلى عبد الله بن جعفر ليلةٌ، فسأله إخراجهم إليه، ففعل وغنوه، وخرجت عمارة فغنته، فشعف بها، وهم بطلبها منه، ثم أمسك خوفاً من أبيه، وكراهية أن يرده ابن جعفر، ولم تزل في نفسه حتى ولي الخلافة، فوفد إليه سائب خاثر فأقام عنده أياماً؛ ثم ذكر له يزيد أمرها وما في نفسه منها فقال له: إن عبد الله من قد علمت، وهو بعيد المرام، ولست أقدم عليه، ولا مثلي يجسر على مخاطبته في مثل هذا، ولكن عليك ببديح، فدعا به وأبثه سره، وسأله السعي له في ذلك، فلما قدم عليه عبد الله بن جعفر صار إليه بديح فقال له: إنك قد جنيت على نفسك جناية أنت فيها بين حالين: من مفارقة لذةٍ لك وحالٍ تؤثؤها، أو سقوط الجاه وخيبة الوفادة، وعداوة الخليفة. قال له: ويحك! وفيم ذلك؟ فأخبره بالقصة. فقال له: أخرجت أحسن الناس وجهاً وغناءً، إلى شابٌ مترف غزل فهويها، وذهبت بعقله كل مذهب، فكتم ما يلقى خوفاً من أبيه طول هذه المدة! فاختر الجارية أو رأيه؛ قال: فما الرأي عندك؟ قال: الرأي عندي أن تدعني أمضي إليه فأخبره أني قد أشرت عليه أن تهديها له، كأنك لم تعلم بذات نفسه، وتبعث بها إليه ابتداء فيكون ذلك أجمل من ن تجشمه مسألة وشكوى بث، وتتسلى عنها، فإن لك من الجواري عوضاً، فقال ابن جعفر: لا والله مالي منها عوض، وإن فراقها لفراق السرور ما بقيت، ولكن أفعل. فدخل بديح إلى يزيد مبادراً وبشره بالقصة. فلما كان الليل بعث ابن جعفر بها إليه وقد زينها وحلاها وبعث بها مع قيمة جواريه، وأمرها أن تقول له: هذه الجارية كنت ملكتها، وهي رضى لك، ورأيت أن أوثرك بها، فبارك الله لك زسرك. فلما وصلت إليه عظم قدرك ابن جعفر عنده ووهب لبديح ألفي دينار، وقضى حوائج ابن جعفر لوفادته وزاده مئة ألف درهم.