الأمير، ماؤها وشل، وتمرها دقل، ولصها بطل، والجيش فيها ضعاف، إن كثروا بها جاعوا. وإن قلوا بها ضاعوا، فقال له الحجاج: أما إنك صاحب الكلمة التي بلغتني عنك حين قلت: تغد بالحجاج قبل أن يتعشى بك! قال الغضبان: أما إنها تنفع من قيلت له، ولم تضر من قيلت فيه، قال الحجاج: اذهبوا به إلى السجن. فلما ذهب به مكث فيه، حتى إذا بنى الحجاج خضراء واسط أعجبته مالم يعجبه بناء قط، فقال لمن حوله: كيف ترون قبتي هذه؟ قالوا: أصلح اله الأمير، مابنى ملك قط مثلها، ولا نعلم للعرب مأثرة أفضل منها، قال الحجاج: أما إن لها عيباً، وسأبعث إلى من يخبرني به. فبعث إلى الغضبان، فأقبل يرسف في قيده، فلما دخل عليه سلم، فقال الحجاج: كيف ترى قبتي هذه؟ فقال: بنيت في غير بلدك، لغير ولك، لا يسكنها وارثك، ولا يدوم لك بقاؤها، كما لم يدم هالكٌ. ولم يبق فانٍ. وأما هي فكأن لم تكن. قال: صجقت، ردوه إلى السجن فإنه صاحب الكلمة التي بلغتني عنه، قال: أصلح الله الأمير، ماضرب من قيلت فيه ولا نفعت من قيلت له، قال: أتارك تنجو مني؟ لأقطعن يديك ورجليك ولأكوين عينيك، قال: ما يخاف وعيدك البريء، ولا ينقطع منك رجاء المسيء، قال: لأقتلنك إن شاء الله، قال: بغير نس؟ والعفو أقرب للقتوى. قال له الحجاج: إنك لسمين! قال: لمكان القيد والرتعة ومن يكن جاز الأمير يسمن. قال الحجاج: ردوه إلى السجن. قال: أصلح الله الأمير قد أثقني الحديد، فما أطيق المشي، قال: احملوه لعنه الله! فلما حملته الرجال على عواتقها قال: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " قال: جروه أخزاه اله! فقال: " بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم " فقال الحجاج: ويحكم ارتكوه، فقد غلبني بحجته.