ونحلتها ذا الرمة، فامتعض من ذلك وحلف بجهد أيمانه، ما قالهما وقال: بالله كيف أقوله وقد قطعت دهري وأفنيت شبابي أشبب بها وأمدحها، ثم أقول هذا! ثم اطلع على أن كنزة قالتهما ونحلتهما إياه.
قال أبو المهلهل الحدثي: ارتحلت إلى الرمال في طلب مي، صاحبة غيلان ذي الرمة، فما زلت أطلب موضع بيتها حتى أرشدت إلى البيت، فإذا خيمةٌ كبيرة، على بابها عجوز هتماء فسلمت عليها وقلت: أين منزل مي؟ قالت: مي ذي الرمة؟ قلت: نعم، قالت: أنا مي، فعجبت منها ثم قلت لها: العجب من ذي الرمة وكثرة ما قاله فيك! ولست أرى من المشاهد التي وصفك بها شيئاً! فقالت: لا تعجب يا هذا منه، فإني سأقوم بعذره عندك، ثم قالت: يا فلانة! فخرجت جاريةٌ ناهد، عليها برقع، فقالت أسفري، فسفرت، فتحيرت لجمالها وبراعتها وفصاحتها! فقالت لي: غلق ذو الرمة بي وأنا في سنها، فقلت: عذره الله ورحمه، أنشدني مما قال فيك؛ فجعلت تنشدني وأنا أكتب أياماً، ثم ارتحلت عنها.
وكان ذو الرمة أيضاً يشبب بخرقاء من بني عامر، تحل فلجة، ويمر بها الحاج، فتقعد لهم وتحادثهم وتهاديهم، وتقول: أنا منسك من مناسك الحج. ثم كانت تجلس معها فاطمة ابنتها، فحدثني من رآها قال: لم تكن فاطمة مثلها. وإنما قالت: أنا منسك من مناسك الحج، لقول ذي الرمة: من الوافر
تمام الحج أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللثام