لما دخل إبراهيم بن المهدي على المأمون وقد ظفر به، كلمه إبراهيم بكلامٍ كان سعيد بن العاص كلم به معاوية بن أبي سفيان في سخطةٍ سخطها عليه واستعطفه، وكان المأمون يحفظ الكلام، فقال له المأمون: هيهات يا إبارهيم! هذا كلامٌ سبقك به فحل بني العاصي بن أمية وقارحهم سعيد بن العاص، وخاطب به معاوية. فقال له إبراهيم: فكان مه يا أمير المؤمنين؟ وأنت أيضاً إن غفرت فقد سبقك فحل بني خرب وقارحهم إلى العفو، فلا تكن حالي في ذلك عندك أبعد من حال سعيد عند معاوية، فإنك أشرف منه، وأنا أشرف من سعيد، وأنا أقرب إليك من سعيدٍ إلى معاوية؛ وإن أعظم الهجنة أن تسبق أمية هاشماً إلى مكرمة. فقال: صدقت يا عم وقد عفوت عنك.
قال الفضل بن مروان: علمان نظرت فيهما وأنعمت النظر فلم أرهما يصحان: النجوم والسحر.
كان الفضل متصلاً برجل من العمال يكتب له - وكان حسن الخط - ثم صار مع كاتبٍ للمعتصم يقال له يحيى الجرمقاني، وكان الفضل بن مروان يخط بين يديه، فلما مات الجرمقاني صار الفضل في موضعه وكان يكتب للفضل علي بن حسان الأنباري، فلم يزل كذلك حتى بلغ المعتصم الحال التي بلغها والفضل كاتبه، ثم خرج منها إلى معسكر المأمون، ثم خرج معه إلى مصر، فاحتوى على أموال مصر، ثم قدم الفضل قبل موت المأمون بغداد ينفذ أمور المعتصم ويكتب على لسانه ما أحب حتى قدم المعتصم خليفة، فصار الفضل صاحب الخلافة، وصارت الدواوين كلها تحت يديه وكنز الأموال. وقدم أبو إسحاق حين دخل بغداد يأمره بإعطاء المغني والملهي، فلا ينفذ الفضل ذلك، فثقل على أبي إسحاق.
وكان إبراهيم المعروف بالهفتي مضحكاً، فأمر له المعتصم بمال، وتقدم إلى الفضل بن مروان بإعطائه، فلم يعطه الفضل شيئاً مما أمر له به المعتصم. فبينا الهفتي يوماً عند المعتصم بعدما بنيت داره التي ببغداد، واتخذ له فيها بستان، قام المعتصم يتمشى في البستان ينظر إليه، وإلى ما فيه من أنواع الرياحين ومعه الهفتي، وكان الهفتي يصحب المعتصم قبل أن تفضي إليه الخلافة فيقول له فيما يداعبه: والله لا تفلح أبداً - وكان الهفتي رجلاً مربوعاً