ورضوا به عوضاً من كل ما خطر على قلوبهم من أمر الدنيا؛ فليس لهم حبيب غيره، ولا قرة عين إلا فيما قرب إليه.
وقال: الاعتبار بالنطق، والذكر باللسان، والفكر بالقلوب، والمراقبة أصل الحذر، والحياء جامع لكل خير.
وقال: رأيت في الطواف حول البيت رجلاً، فتقربت منه، فإذا هو لا يزيد على قوله: اللهم قضيت حاجة المحتاجين وحاجتي لم تقض. فقلت له: مالك لا تزيد على هذا الكلام؟ فقال: أحدثك: كنا سبعة رفقاء من بلدان شتى، غزونا أرض العدو، فاستأسرونا كلنا، فاعتزل بنا لتضرب أعناقنا. فنظرت إلى السماء، فإذا سبعة أبواب مفتحةً، عليها سبع جوار من الحور العين، على كل باب جارية، فقدم رجل منا، فضربت عنقه، فرأيت جارية في يدها منديل قد هبطت إلى الأرض، حتى ضربت أعناق ستة، وبقيت أنا، وبقي باب وجارية، فلما قدمت لتضرب عنقي استوهبني بعض رجاله، فوهبني له، فسمعتها تقول: أي شيء فاتك يا محروم؟! وأغلقت الباب. وأنا يا أخي متحسر على ما فاتني.
قال قاسم بن عثمان: أراه أفضلهم؛ لأنه رأى ما لم يروا، وترك يعمل على الشوق. ومن شعره:" مخلع البسيط "
اصبر على كسرة وملح ... فالصبر مفتاح كل زين
واقنع فإن القنوع عز ... لا خير في شهوة بدين
قال أبو الحسن محمد بن الفيض: قام أبو بكر بن عتاب في مجلس قاسم بن عثمان الجوعي، وكان غلامً جميلاً حسن الوجه، وكان صفوان بن صالح جالساً، وسليمان بن عبد الرحمن جالس عند باب المئذنة وغيرهم، فقال: يا قوم، هذا قاسم، يا أبا عبد الملك، ويا أبا أيوب، دخلت إليه البيت، فجذبني، وقبلني، وأراد أن يفعل بي كذا، وكذا حتى انفلت منه.