فأقبل علي، فقال لي: يا كثير، إنك تسأل عما قلت! ثم تقدم الأحوص، فاستأذنه في الإنشاد، فقال: قل، ولا تقولن إلا حقاً، ثم تقدم نصيب، فاستأذنه في الإنشاد، فأبى أن يأذن له، وأمره بالغزو إلى دابق، فخرج محموماً، وأمر لي وللأحوص بثلاثمائة درهم لكل واحد منا، ولنصيب بخمسين ومائة درهم، وقال للأحوص حين أنشد: إنك قال محمد بن سلام: وقدم كثير على يزيد بن عبد الملك وقد مدحه بقصائد جياد مشهورة، فأعجب بهن يزيد، وقال له: احتكم. قال: وقد جعلت ذاك إلي؟ قال نعم: قال: مائة ألف، قال: ويحك! مائة ألف؟! قال: أعلى جود أمير المؤمنين أبقي أم على بيت المال؟ قال: ما بي استكثارها، ولكن أكره أن يقول الناس: أعطى شاعراً مائة ألف، ولكن فيها عروض؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. فكان يحضر سمر بن زيد، ويدخل عليه، فقال له ليلة: يا أمير المؤمنين، ما يعني الشماخ بن ضرار بقوله:" من الوافر "
إذا عرقت مغابنها وجادت ... بدرتها قرى حجن قتين
فسكت عنه يزيد، فقال: بصبصن إذ حدين، ثم أعاد: بصبصن إذ حدين، فقال يزيد: وما على أمير المؤمنين - لا أم لك - ألا يعرف هذا؟ هو القراد أشبه الدواب بك - وكان كثير قصيراً، متقارب الخلق - فحجب عن يزيد، فلم يصل إليه، فكلم مسلمة بن عبد الملك يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين، مدحك، قال: بكم مدحنا؟ قال: بسبع قصائد، قال: فله سبعمائة دينار والله لا أزيده عليها.