للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن كميل بن زياد النخعي قال: خرجت مع علي بن أبي طالب، فلما أشرف على الجبان التفت إلى المقبرة، فقال: يا أهل القبور، يا أهل البلاء، يا أهل الوحشة، ما الخبر عندكم فإن الخبر عندنا: قد قسمت الأموال، وأيتمت الأولاد، واستبدل بالأزواج. فهذا الخبر عندنا فما الخبر عندكم؟ ثم التفت إلي، فقال: يا كميل، لو أذن لهم في الجواب لقالوا: إن خير الزاد التقوى، ثم بكى، وقال لي: يا كميل، القبر صندوق العمل، وعند الموت يأتيك الخبر.

وعنه قال: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالكوفة، فخرجنا حتى انتهينا إلى الجبان، فلما أصحر تنفس صعداء، ثم قال لي: يا كميل بن زياد، إن هذه القلوب أوعية، وخيرها أوعاها للعلم، احفظ عني ما أقول لك؛ الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجوا إلى ركن وثيق. يا كميل بن زياد، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، المال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق. يا كميل بن زياد، صحبة العلم دين يدان بها، تكسبه الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته. ومنفعة المال تزول بزواله. العلم حاكم، والمال محكوم عليه، يا كميل، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، عيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. وإن هاهنا - وأشار إلى صدره - لعلماً جماً.

عن الأعمش قال: دخل الهيثم بن الأسود النخعي على الحجاج، فقال له: ما فعل كميل بن زياد؟ قال: شيخ كبير مطروح في البيت، قال: بلغني أنه فارق الجماجم، قال: ذاك شيخ كبير خرف. فدعا كميلاً، فقال له: أنت صاحب عثمان؟ قال: ما صنعت بعثمان؟ لطمني، فأقادني، فعفوت. فأمر بقتله.

<<  <  ج: ص:  >  >>