وقال الشافعي: كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر. قال: وكنت أصيب من عشرة تسعة.
وقال: ولدت باليمن، فخافت أمي علي الضيعة، فقالت: الحق بأهلك، فتكون مثلهم، فإني أخاف أن تغلب على نسبك. فجهزتني إلى مكة، فقدمتها، وأنا يومئذ ابن عشر، أو شبيهاً بذلك، فصرت إلى نسيب لي، وجعلت أطلب العلم، فيقول لي: لا تشتغل بهذا، وأقبل على ما ينفعك. فجعلت لذتي في هذا العلم وطلبه حتى رزقني الله منه ما رزق.
وقال: كنت يتيماً في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام. فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، وكنت أجالس العلماء، وأحفظ الحديث، أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف، فكنت أنظر إلى العظم يلوح فآخذه، فأكتب فيه الحديث - أو المسألة - وكانت لنا جرة قديمة، فإذا امتلأ العظم طرحته في الجرة.
فقدم علينا والي اليمن، فكلمه بعض القرشيين في أن أصحبه، ولم يكن عند أمي ما تعطيني أتحمل به، فرهنت دارها على ستة عشر ديناراً، ودفعتها إلي، فتحملت بها مع والي اليمن؛ فلما وصلنا سالمين استعملني على عمل، فحمدت فيه، فزادني عملاً آخر، فحمدت فيه، ودخل العمال مكة، فأحسنوا علي الثناء، وأكثروا من المدح، فلما قدمت مكة لقيت ابن أبي يحيى، فسلمت عليه، فقال لي: تصنعون كذا، أو تفعلون كذا؟! فتركته، ولقيت سفيان بن عيينة، فسلمت عليه، فسلم علي، وقال لي: قد بلغنا خبر