للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الشافعي من معادن الفقه، وجهابذة الألفاظ، ونقاد المعاني، ومن كلامه: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ، لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممدودة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة، وجميع أصناف الدلالات على المعاني، لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء، لا تزيد، ولا تنقص؛ أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الذي يسمى النصبة، والنصبة في الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات، ولكل واحد من هذه الخمسة صورة مواتية من صورة صاحبهتا. وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، وعن حقائقها في التفسير، وعن أجناسها وأفرادها، وعن خاصها وعامها، وعن طباعها في السار والضار، وعما يكون لهواً بهرجاً، وساقطاً مدحرجاً.

سئل أبو ثور، فقيل: أيما أفقه، الشافعي أو محمد بن الحسن؟ فقال أبو ثور: الشافعي أفقه من محمد، وأبي يوسف، وأبي حنيفة، وحماد، وإبراهيم، وعلقمة، والأسود.

قال هلال بن العلاء الرقي:

من الله تعالى على الناس بأربعة من زمانهم: بالشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيدة، ويحيى بن معين؛ فأما الشافعي فبفقه حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما أبا عبيدة ففسر لهم غريب الحديث، لولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ، وأما يحيى بن معين فنفى الكذب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبين الصادق من الكاذب، وأما أحمد بن حنبل فجعله الله للناس إماماً في القرآن، لولا ذلك لكفر الناس.

قال داود بن علي الأصبهاني: اجتمع للشافعي - رحمه الله - من الفضائل ما لم يجتمع لغيره. فأول ذلك: شرف نسبه ومنصبه، وأنه من رهط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنها: صحة الدين وسلامة الاعتقاد من الأهواء والبدع، ومنها: سخاوة النفس، ومنها: معرفته بصحة الحديث وسقمه، ومنها:

<<  <  ج: ص:  >  >>