قال يونس بن عبد الأعلى: كنت أولاً أجالس أصحاب التفسير، فكان الشافعي إذا أخذ في التفسير فكأنه شهد التنزيل.
قال أبو حسان الزيادي: لما رأيت إكرام الشافعي، وإصغاءه إلى ما نقول، وانتزاعه من القرآن المعاني، والعبارة عن المعاني أنست به، فكنت أسأله عن معاني القرآن، فما رأيت أحداً أقدر على معاني القرآن والعبارة عن المعاني، والاستشهاد على ذلك من قول الشعر، أو اللغة منه.
قال المزني، أو الربيع:
كنا عند الشافعي بين الظهر والعصر إذ جاء شيخ عليه جبة صوف، وعمامة صوف، وإزار صوف، وفي يده عكازة. قال: فقام الشافعي، وسوى عليه ثيابه، واستوى جالساً. وسلم الشيخ، وجلس، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له، إذ قال الشيخ: أسأل؟ فقال: سل، قال: إيش الحجة في دين الله؟ قال الشافعي: كتاب الله، قال: وماذا؟ قال: وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة، قال: من أين قلت: اتفاق الأمة من كتاب الله أم من سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فقال: من كتاب الله، قال: فتدبر الشافعي ساعة، فقال للشافعي - وفي رواية: فقال: يا شيخ - قد أجلتك ثلاثة أيام ولياليها، فإن جئت بالحجة من كتاب الله في الاتفاق وإلا تب إلى الله - عز وجل - قال: فتغير لون الشافعي، ثم إنه ذهب، فلم يخرج ثلاثة أيام ولياليهن. قال: فخرج إلينا في اليوم الثالث، في ذلك الوقت - يعني بين الظهر والعصر - وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه، وهو مسقام، فجلس، فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ، فسلم وجلس، فقال: حاجتي! فقال الشافعي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله - عز وجل -: " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم "، لا يصليه على خلاف المؤمنين إلا وهو مرضي. فقال: صدقت.