من المأكول فيقبله اتباعاً للسنة ويكافئه لعظم مروءته أضعافاً، وربما يجحف به. فكان أصدقاؤه يجتنبون مهاداته.
وروى الخطيب أيضاً من طريقه:
أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة. وأنه قيل: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل على كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيراً. وأنه قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة. فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه. فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. ثم قال: هل تنشون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحواً مما ذكره في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فقال: إنا لله، ماتت الهمم. فاختصره في نحو ما اختصر التفسير.
كتب المراغي إلى الفرغاني يقول: لما تقلد الخاقاني الوزارة، وجه إلى أبي جعفر الطبري بمال كثير، فامتنع من قبوله، فعرض عليه القضاء، فامتنع، فعرض عليه المظالم، فأبى، فعاتبه بعض أصحابه وقالوا: لك في هذا ثواب، وتحيي سنة قد درست. فطمعوا في قبوله المظالم، فباكروه، ليركب معهم لقبول ذلك، فانتهرهم، وقال: كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه، ولامهم. قال: فانصرفنا من عنده خجلين.
وقال أبو علي الطوماري: كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي أبي بكر بن مجاهد إلى المسجد لصلاة التراويح. فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره، واجتاز على مسجده، فلم يدخله، وأنا معه، وسار حتى انتهى إلى آخر سوق العطش، فوقف بباب مسجد محمد بن جرير، ومحمد يقرأ سورة الرحمن، فاستمع قراءته طويلاً، ثم انصرف، فقلت له: