للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يك خرج الواثق بعد، فقال لي أحمد بن أبي داود: يا إسحاق قلت: لبيك، قال: أعجبني هذان البيتان، قلت: أنشدني فما أعجبك من شيء ففيه السرور، فأنشدني: من الطويل

ولي نظرةٌ لو كان يحبل ناظرٌ ... بنظرته أنثى لقد حبلت مني

فإن ولدت ما بين تسعة أشهرٍ ... إلى نظري أنثى فإن ابنها ابني

فقلت: قد أجاد، ولكني أنشدك بيتين أرجو أن يعجباك قال: هات، فأنشدته من الطويل

ولما رمت بالطرف غيري ظننتها ... كما أثرت بالطرف توثر بالقلب

وإني بها في كل حالٍ لواثقٌ ... ولكن سوء الظن من شدة الحب

قال: أحسنت يا إسحاق وخرج الواثق فقال: فيم أنتم! فحدثه ابن أبي داود وأنشده، فأمر له بعشرة آلاف درهم وأمر لابن أبي داود بثلاثين ألفاً، فلما رجعت إلى منزلي أصبت في منزلي أربعين ألفاً فقلت: ما هذا؟ فقيل وجه إليك أبو عبد الله بهذا.

قال الحسن بن خضر:

كان ابن أبي داود مألفاً لأهل الأدب من أي بلد كانوا، وكان قد ضم إليه جماعة يعولهم ويمونهم. فلما مات اجتمع ببابه جماعة منهم فقالوا: يدفن من كان على ساقة الكرم وتاريخ الأدب ولا نتكلم فيه؟ إن هذا لوهنٌ وتقصيرٌ، فلما طلع سريره قام ثلاثة نفر فقال أحدهم: من البسيط

اليوم مات نظام الفهم واللسن ... ومات من كان يستعدى على الزمن

وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت ... شمس المعارف في غيمٍ من الكفن

وتقدم الثاني فقال: من الكامل

ترك المنابر والسري تواضعاً ... وله منابر لو يشا وسرير

ولغيره يجبى الخراج وإنما ... تجبى إليه محامدٌ وأجور

وقام الثالث فقال: من الطويل

وليس نسيم المسك ريح حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف

<<  <  ج: ص:  >  >>