قال له عبد الملك: وما كان ركبك يا نميري؟ قال: أربعة أحمرة كنت أجلب عليها القطران، وثلاثة أحمرة صحبتي تحمل البعر. فضحك عبد الملك، حتى استغرب، وقال: لقد عظمت أمرك وأمر ركبك. وكتب إلى الحجاج أن لا سبيل له عليه. فلما أتاه الكتاب، وضعه، ولم يقرأه. ثم أقبل على يزيد بن أبي مسلم، وقال: أنا بريء من بيعة أمير المؤمنين، لئن لم ينشدني ما قال في زينب لآتين على نفسه، ولئن أنشدني لأعفون عنه، وهو إذا أنشدني آمن. فقال له يزيد: ويلك! أنشده، فأنشده: من الطويل
تضوع مسكاً بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات
قال: فقال: كذبت، والله ما كانت تتعطر إذا خرجت من منزلها. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله:
ولما رأت ركب النميري راعها ... وكن من أن يلقينه حذرات
فقال له: حق لها أن ترتاع، لأنها من نسوة خفرات. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله:
مررن بفخ رائحات عشية ... يلبين للرحمن معتمرات
فقال: صدقت، لقد كانت صوامة حجاجة ما علمتها. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله:
يخمرن أطراف البنان من التقى ... ويخرجن جنح الليل معتجرات
قال له: صدقت، هكذا كانت تفعل، وهكذا تفعل المرأة الحرة الصالحة المسلمة. ثم قال له: ويحك! إني أرى ارتياعك ارتياع مريب، وقولك قول بريء، وقد امتثلت فيك أمر أمير المؤمنين. ولم يعرض له.