هل فيكم من أهل مكة أحد؟ فسكتنا فقالت: هل فيكم من بني مخزوم أحد؟ قال: فقلت للغلام: قل لها: ما حاجتك؟ قالت: ما فعل محمد بن عبد الرحمن الأوقص؟ قال: فقلت لها: حي في عافية، من أين تعرفينه؟ قالت: كنت لابنة عمه فباعتني، فقلت لها: أي بنات عمه؟ قالت: فاخته كيف هي؟ قلت سالمةٌ؛ وسألت عن ولدها النساء والرجال فقلت له: سلها من أبوها وأمها؟ فأخبرته وعرفتها؛ ثم تنفست الصعداء وأنشدت: من البسيط
من كان ذا شجنٍ بالشام يحبسه ... فإن في غيرها أمسى لي الشجن
وإن ذا القصر حقاً ما به شجنٌ ... لكن بمكة أمسى الأهل والوطن
فدعوت مولىً لي فقلت: اذهب إلى صاحب هذا القصر فأعلمه بموضعي واشتر لي منه هذه الجارية، فذهب فأعلمه فقال: أنا أصير إليه، فإذا هو شاب من بني أمية، فأتى إلي وسلم علي، وقال: لم أعلم بموضعك، وذكر الجارية، فأخبرته بالذي كان منها، فذهب إلى منزله وقال: لا آخذ لها ثمناً.
قال: ثم مضيت بها إلى مكة فأقامت عندنا حيناً.
كان الأوقص قصيراً دميماً قبيحاً، وكانت أمه عاقلةً فقالت له: يا بني إنك خلقت خلقةً لا تصلح فيها لمعاشرة الفتيان، فعليك بالدين فإنه يتم النقيصة ويرفع الخسيسة؛ فنفعني الله بقولها، فتعلمت الفقه فصرت قاضياً.
كان الأوقص عنقه داخلاً في بدنه، وكان منكباه خارجين كأنهما زجان فقالت له أمه: يا بني لا تكون في قومٍ إلا كنت المضحوك منه، المسخور به، فعليك بطلب العلم فإنه يرفعك؛ فطلب العلم فولي قضاء مكة عشرين سنةً؛ فكان الخصم إذا جلس بين يديه يرعد حتى يقوم.