قال أبو البركات: حدثني أبو علي حسن بن الأشكري المصري قال: كت من جلاس تميم بن أبي تميم، وممن يخف عليه جداً، فأرسل إلى بغداد فابتيعت له جاريةً رائعة فائقة الغناء، فلما وصلت إليه دعا جلساءه فكنت فيهم، ومدت الستارة وأمرها بالغناء فغنت: من الكامل
وبدا له من بعدما اندمل الهوى ... برقٌ تألق موهناً لمعانه
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنعٌ أركانه
فمضى لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظراً إليه وصده سجانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه
فأحسنت ما شاءت، وطرب تميم وكل من حضر ثم غنت: من الطويل
سيسليك عما فات دولة مفضلٍ ... أوائله محمودةٌ وأواخره
ثنى الله عطيفه وألف شخصه ... على البر مذ شدت عليه مآزره
فطرب تميم ومن حضر طرباً شديداً ثم غنت: من البسيط
أستودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
فاشتد طرب تميم وأفرط جداً ثم قال لها: تمني، فلك مناك؛ فقالت: أتمنى عافية الأمير وسعادته. فقال: والله لا بد لك أن تتمني؛ فقالت: على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى؟ فقال لها: نعم؛ فقالت: أتمنى أن أغني بهذه النوبة ببغداد قال: فاستنقع لون تميم وتغير وجهه وتكدر المجلس، وقام وقمنا.
قال ابن الأشكري: فلحقني بعض خدمه وقال: ارجع فالأمير يدعوك؛ فرجعت فقال: ويحك أرأيت ما امتحنا به؟ فقلت: نعم فقال: لا بد من الوفاء لها وما