للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدث المعتضد بالله عن أبيه أبي أحمد الموفق قال:

كان أمير المؤمنين السفاح يعجبه السمر، وكان يطول عليه السهر، وتعجبه الفصاحة ومنازعة الرجال، فسمر عنده ذات ليلة أناس من اليمن وأناس من مضر، فيهم خالد بن صفوان التميمي وإبراهيم بن محمد الكندي، فمال بهم الحديث، فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إن أخوالك هم الناس، وهم العرب الأول، والذين دانت لهم الدنيا، كانت لهم اليد العليا. توارثوا الرياسة، يلبس آخرهم سرابيل أولهم، بيت المجد ومآثر الحمد لهم، منهم النعمانان والمنذران والقابوسان، ومنهم عياض صاحب البحر، ومنهم الجلندى، ومنهم ملوك التيجان، وحماة الفرسان، أصحاب السيوف القاطعة والدروع الحصينة، إن حل ضيف أكرموه، وإن سئلوا أنعموا، فمن ذا مثلهم يا أمير المؤمنين إذا عدت المآثر، وفخر مفاخر، ونافر منافر؟ فهم العرب العاربة، وسائر العرب المتعربة. فتغير وجه السفاح وقال: ما أظن خالداً يرضى بما تقول يا خالد؟ فقال: إن أذن لي أمير المؤمنين، وأمنت الموجدة تكلمت. قال: تكلم ولا تهب أحداً. فتكلم خالد فقال: خاب المتكلم، وأخطأ المتحكم، وقد قال بغير علم، ونظر بغير صواب. إذ فخر على مضر، ومنهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء من أهل بيته، وهل أهل اليمن - أصلح الله أمير المؤمنين - إلا دابغ جلد أو حائك برد أو سائس فهد، أو قائد قرد؟! دل عليهم الهدهد، وغرقهم الجرذ، وملكتهم أم ولد، وهم يا أمير المؤمنين ما لهم ألسنة فصيحة، ولا لغة صحيحة، ولا حجة تدل على كتاب الله عز وجل، ولا يعرف بها صواب. إن جاوزوا قصدنا أكلوا، وإن أبوا حكمنا عنفوا. ثم التفت إلى الكندي فقال: أتفخر علي بالدرع الحصينة والفرس الراتع والسيف القاطع والدرة المكنونة ولا تفخر بخير الأنام محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فبه أدرك من ذكرت وفخر من فخرت، فأكرم به إذ كانوا أتباعه وأشياعه وبه ذكروا وافتخروا، فمنا النبي المصطفى وسيف الله عمه العباس المجتبى، ومنا علي الرضى، وأسد الله

<<  <  ج: ص:  >  >>