بها ألف دينارٍ أندلسية على أن يزيد في ترجمة كتابٍ جمعه في اللغة مما ألفه تمام بن غالب لأبي الجيش مجاهد فرد الدنانير، وأبى ذلك وقال: لو بذل لي الدنيا على ذلك ما فعلت، ولا استجزت الكذب فإني لم أجمعه له خاصة، ولكن لكل طالبٍ عامة؛ فاعجب لهمة هذا الرئيس وعلوها واعجب لنفس هذا العالم ونزاهتها.
وحدث الحميدي عن أبي الوليد الحسين بن محمد الكاتب قال: حضرت عند عمي وعنده أبو عمر القصطلي وأبو عبد الله المعيطي فغنى المعيطي: من مخلع البسيط
مروع فيك كل يومٍ ... محتملٌ فيك كل لوم
يا غايتي في المنى وسولي ... ملكت رقي بغير سوم
فأعجبنا بهذين البيتين: فقال أبو عمر: أنا أضيف إليهما ثالثاً، وقال:
تركت قلبي بغير صبرٍ ... فيك وعيني بغير نوم
قال: فسررنا بقوله، وقلنا: لا تتم القطعة إلا به.
ولد الحميدي قبل العشرين وأربع مئة، وتوفي سنة ثمانٍ وثمانين وأربع مئة.
وكان محققاً متبحراً في علم الأدب والعربية والشعر والرسائل، وله التصانيف الكثيرة منها: تجريد الصحيحين والجمع بينهما، وتاريخ الأندلس، وله شعرٌ حسنٌ.
وأوصى إلى مظفر ابن رئيس الرؤساء أن يدفنه عند بشر الحافي فخالف وصيته، فرآه مظفر بعد مدة في النوم يعاتبه على مخالفة وصيته فنقل سنة إحدى وتسعين وأربع مئة ودفن عند قبر بشر الحافي، وكان كفنه جديداً وبدنه طرياً تفوح منه رائحة الطيب، ووقف كتبه على أهل العلم.