للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويفرقه على من بحضرته حتى انتهى إلى جب الواثق فاستطابه فقال: هاتم عتيدة حتى يخرج منه إليها ما يستعمل، فجاؤوه بعتيدة فكانت عتيدة المكتفي بعينها. ورأى الجب ناقصاً والعتيدة فيها قدح الغالية ما استعمل منه كثير شيء فقال: ما السبب في هذا؟ فأخبرته بالسبب على حاله، فأخذ يعجب من بخل الرجلين، ويضع منهما بذلك، ثم قال: فرقوا الجب بأسره على الجواري، فما زال يخرج منه أرطالاً أرطالاً وأنا أتمزق غيظاً، وأذكر حديث العنب وكلام مولاي المعتضد إلى أن مضى قريب من نصف الجب، فقلت له: يا مولاي، إن هذه الغالية أطيب الغالي وأعتقها وما لا يعتاض منه فلو تركت ما بقي منها لنفسك، وفرقت من غيرها كان أولى. قال: - وخرت دموعي لما ذكرته من كلام المعتضد - فاستحيا مني، فرفعت الجب فما مضت إلا سنون من خلافته حتى فنيت تلك الغوالي واحتاج إلى أن عجن غالية بمال عظيم.

قال أبو محمد عبد الله بن حمدون: قال لي المعتضد ليلة وقد قدم له عشاء: لقمني، قال: وكان الذي قدم فراريج ودراريج، فلقمته من صدر فروج فقال: لا، لقمني من فخذه، فلقمته لقماً، ثم قال: هات من الدراريج فلقمته من أفخاذها فقال: ويلك هو ذا تتنادر علي؟! هات من صدورها، فقلت: يا مولاي، ركبت القياس فضحك، فقلت: إلى كم أضحكك ولا تضحكني؟ قال: شل المطرح وخذ ما تحته. قال: فشلته فإذا دينار واحد، فقلت: آخذ هذا؟ فقال: نعم، فقلت: يالله هو ذا تتنادر أنت الساعة علي! خليفةً يجيز نديمه بدينار؟ فقال: ويلك لا أجد لك في بيت المال حقاً أكثر من هذا، ولا تسمح نفسي أن أعطيك من مالي شيئاً، ولكن هو ذا أحتال لك بحيلة تأخذ فيها خمسة آلاف دينار، فقبلت يده، فقال: إذا كان غداً وجاءني القاسم - يعني ابن عبيد الله - فهو ذا أسارك - حتى تقع عيني عليه - سراراً طويلاً التفت فيه إليه كالمغضب، وانظر أنت إليه في خلال ذلك كالمخالس لي نظر المترثي له، فإذا انقطع السرار فيخرج ولا يبرح الدهليز أو تخرج، فإذا خرجت خاطبك بجميل وأخذك إلى دعوته، وسألك عن حالك، فاشك الفقر والخلة وقلة حظك مني وثقل ظهرك بالدين والعيال، وخذ ما يعطيك، واطلب كل ما تقع عينك عليه، فإنه لا يمنعك حتى تستوفي الخمسة آلاف دينار، فإذا أخذتها فسيسألك عما جرى بيننا فاصدقه، وإياك أن تكذبه وعرفه أن ذلك حيلة مني عليه حتى وصل إليك هذا، وليكن

<<  <  ج: ص:  >  >>