قال محمد بن كعب: قال لي عمر بن عبد العزيز: صف لي العدل: قلت: بخٍ بخٍ سألت عن أمرٍ جسيمٍ؛ كن لصغير الناس أباً، ولكبيرهم ابناً، ولمثل منهم أخاً، وللنساء كذلك، وعاقب الناس بقدر ذنوبهم على قدر أجسامهم، ولا تضربن بغضبك أحداً سوطاً واحداً فيعدي فتكون من العادين.
قال سفيان بن عيينة: دخل محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز يوم ولي فقال: يا أمير المؤمنين إنما الدنيا سوقٌ من الأسواق فمنها خرج الناس بما ربحوا منها لآخرتهم، وخرجوا منها بما يضرهم، فكم من قومٍ غرهم مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت فاستوعبهم، وخرجوا من الدنيا مرملين لم يأخذوا من أمر الدنيا والآخرة، فاقتسم ما لهم من لم يحمدهم، وصاروا إلى من لم يعذرهم، فانظر للذي يجب أن يكون معك إذا قدمت، فابتغ به البدل حيث يجوز البدل، ولا تذهبن إلى سلعةٍ قد بارت على غيرك ترجو جوازها عنك؛ يا أمير المؤمنين افتح الأبواب وسهل الحجاب وانصر المظلوم.
كان لمحمد بن كعب جلساء كانوا من أعلم الناس بتفسير القرآن، وكانوا مجتمعين في مسجد الربذة فأصابتهم زلزلةٌ فسقط عليهم المسجد فماتوا جميعاً تحته.
قيل لمحمد بن كعب: ألا نعد لك حروفاً من حروف الرفع والإضجاع تتكلم بها؟ قال: أرأيتم ما أعلمتكم به أتفهمونه؟ قالوا: بلى؛ قال: فما أصنه بها؟ وقيل لمحمد بن كعب: إنك لتلحن في كلامك ولست تعرب في قراءتك؟ قال: إنما سأل موسى عليه السلام أن يحلل عقدةً من لسانه حتى يفهموا قوله.
توفي محمد بن كعب سنة ثمانٍ ومئة؛ وقيل: سنة سبع عشرة، وقيل: ثمان عشرة ومئة، وهو ابن ثمانٍ وسبعين سنةً، وقيل: توفي سنة عشرين ومئة، وقيل: سنة تسع وعشرين ومئة.