قال محمد بن المبارك: حدثني إسماعيل بن زياد قال: قدم علينا راهب ونحن بعبادان وكان من الشام، فنزل دير ابن أبي كبشة فذكر لي من حسن كلامه ما شوقني إلى لقائه، فأتيته وحوله أناسٌ، وهو يقول: إن لله عباداً سمت بهم هممهم نحو عظيم الذخائر، فاحتقروا ما دون ذلك من الأخطار والتمسوا من فضل سيدهم توفيقاً يبلغهم، فإن استطعتم أيها المرتحلون عن قريبٍ أن تأخذوا ببعض هيئتهم فإنهم قومٌ ملأت الآخرة قلوبهم، فلم تجد الدنيا فيها مكيداً؛ فالحزن بثهم، والدموع راحتهم، والإشفاق سبيلهم، وحسن الظن بالله قربانهم، يحزنون لطول المكث في الدنيا، إذا فرح أهلها فهم مسجونون، وإلى الآخرة متطلعون؛ قال: فما سمعت موعظةً كانت أخف لقلبي منها.
حدث محمد بن المبارك، بسنده إلى عبد الواحد بن زيد، قال:
نزلنا على راهبٍ بعبادان فأحسن قرانا، فلما هدأت العيون وثب فأخرج مصباحاً فعلقه تجاه القبلة، ثم قام يبكي وينادي: سيدي لك ترهب المترهبون، وإليك أخلص المبتهلون، رهبةً منك ورجاءً لعفوك فيا إله الحق ارحم دعاء المستصرخين، واعف عن جرائم الغافلين، وزد في إحسان المنيبين يوم الوفود عليك، رحمتك يا كريم؛ فلم يزل كذلك حتى أصبح.
وحدث محمد بن المبارك، بسنده إلى يزيد الحميري، قال: ما لقيني حسان الزاهد قط إلا قال لي: يا يزيد احذر لا تطفئ المصباح من بيتك فيدخل عليك اللصوص فيحزنوك؛ قلت ليزيد: ما أراد بذلك حسان؟ قال: أراد أن لا تخل قلبك من ذكر الله فيدخل عليك الشيطان فيفسد عليك أمر دينك.