السكون ولست من الملوك؛ فقال هاشم: ليس لهذا حضرنا، والله لا حضرت لك مجلساً أبداً، ومن تظلم إليك مني فأعده علي واقض له في مالي بما يدعيه.
وكان محمد بن مسروق متكبراً شدد في الحكم وأعدى على العمال، وأنصف منهم؛ ولما قدم مصر اتخذ قوماً من أهلها للشهادة، وسمهم بها، وأوقف سائر الناس، فوثبوا به ووثب بهم، وشتموه وشتمهم، وكانت منه هناتٌ إلى أشرافهم، إلى هاشم بن خديج وحوي بن حوي وغيرهما، وأرسل إليه الأمير عبد الله بن المسيب فأمره بحضور مجلسه، فقال لرسوله: لو كنت تقدمت إليه في هذا لفعلت به وفعلت كذا وكذا، فانقطع ذلك عن القضاة بعده ولحق جماعة البلد منه استخفافٌ، وعزل عن القضاء سنة خمسٍ وثمانين ومئة.
قال الحارث بن مسكر: كان ها هنا قاضٍ يذل الجبارين فما فضحه إلا ابنه، يعني محمد بن مسروق، وذلك أن محمداً كان لا يتعلق بشيءٍ حتى قدم ابنه فكان يأتي إلى من عنده مالٌ من الودائع فيقول: أعطنيه؛ حتى أتجر فيه وآخذ الفضل؛ قال: فتلف على يديه شيءٌ كثيرٌ.
قالوا: وكانت أموال اليتامى والأوقاف ترد إلى بيت المال منذ زمن المنصور إلى أيام الرشيد؛ فلما ولي محمد بن مسروق تحامل على أهل مصر فأساؤوا عليه النبأ والذكر، وأشاعوا عنه أنه عزم على حمل ما في بيت المال من هذه الأموال إلى هارون، وقام أبو إسحاق الحوفي فنادى في المسجد الجامع ودعا على محمد بن مسروق، فأحضره ابن مسروق وناله بمكروهٍ فزاد مقت أهل مصر لابن مسروق.
ولما أكثر أهل المسجد في ذم محمد بن مسروق وقف على باب المنصورة ونادى بأعلى صوته: أين أصحاب الأكسية العسلية؟ أين بنو البغايا؟ لم لا يتكلم متكلمهم بما شاء حتى نرى ونسمع؟ فما تكلم أحدٌ بكلمةٍ. وكان محمد بن مسروق يروح إلى الجمعة من دار أبي عون بالموقف ماشياً إلى المسجد.
خوصم وكيل السيدة إلى محمد بن مسروق فأمر بإحضاره فجلس مع خصمه متربعاً، فأمر به محمد بن مسروق فبطح وضرب عشراً.