قال المغيرة بن محمد المهلبي: رأيت عند الحسين بن الضحاك جماعةً من بني هاشم، فيهم بعض أولاد المتوكل، فسألوه عن الأمين وأدبه، فوصف الحسين أدباً كثيراً؛ فقيل له: فالفقه؟ فإن المأمون كان فقيهاً؛ فقال: ما سمعت فقهاً ولا حديثاً إلا مرةً واحدةً فإنه نعي غلام له بمكة، فقال: حدثني أبي، عن أبيه، عن المنصور، عن أبيه، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من مات محرماً حشر ملبياً ".
ولد الأمين سنة سبعين ومئة برصافة بغداد، وقيل: سنة إحدى وسبعين ومئة؛ وكان الرشيد بايع لولديه محمد وأمه زبيدة أم جعفر بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور؛ وعبد الله وهو المأمون، ثم القاسم؛ فملك محمد أربع سنين وسبعة أشهر وعشرين ليلةً، وولي سنة ثلاثٍ وتسعين، وقيل: سنة ثمانٍ وتسعين ومئة؛ قتله قريش الدنداني، وحمل رأسه إلى طاهر بن الحسين، فنصبه على رمح وتلا " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء " وكان طويلاً سميناً أبيض، وكان محمد الأمين خلع نفسه في سنة ست وتسعين ومئة حين وثب به الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان، وبويع للمأمون يومئذٍ، وقام ببيعته إسحاق بن عيسى، ومكث مخلوعاً محبوساً إلى أن قتله طاهر بن الحسين بن مصعب ببغداد، وكان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة؛ وقيل: ثمان وعشرين سنة.
لما أتت الخلافة محمد بن هارون خطب ببغداد، فقال: أيها الناس إن المنون تراصد ذوي الأنفاس حتماً من الله، لا يدفع حلولها، ولا ينكر نزولها، فاسترجعوا قلوبكم عن الجزع على الماضي إلى البهج الباقي تعطوا أجور الصابرين وجزاء الشاكرين.