منها بطحاء مكة، أنا ابن زهير دفين الحجر؛ فقال محمد بن هشام: قوموا فإنكم كنتم وحشاً في الجاهلية وما استأنستم في الإسلام؛ فقال أحد الرجلين: حقي لصاحبي، لا أريد الخصومة.
يعني: زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، قبره بالحجر.
كان الوليد بن يزيد مضطغناً على محمد بن هشام أشياء كانت تبلغه عنه في حياة هشام، فلما ولي الخلافة قبض عليه وعلى أخيه إبراهيم بن هشام، وأشخصا إليه إلى الشام، ثم دعا لهما بالسياط؛ فقال له: أسألك بالقرابة؛ قال: وأي قرابةٍ بيني وبينك؟ وهل أنت إلا من أشجع؟ قال: فأسألك بصهر عبد الملك؛ قال: لم تحفظه؛ فقال: يا أمير المؤمنين قد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضرب قرشي بالسياط إلا في حد؛ قال: ففي حد أضربك وقودٍ، أنت أول من سن ذلك على العرجي، وهو ابن عمي، وابن أمير المؤمنين عثمان، فما رعيت حق جده، ولا نسبه بهشام، ولا ذكرت حينئذٍ هذا الخبر، وأنا ولي ثأره؛ اضرب يا غلام؛ فضربهما وأوثقهما بالحديد ووجه بهما إلى يوسف بن عمر بالكوفة، وأمره باستصفائهما وتعذيبهما إلى أن يتلفا؛ وكتب إليه: احبسهما مع ابن النصرانية يعني خالداً القسري، ونفسك نفسك إن عاش أحدٌ منهم؛ فعذبهم عذاباً شديداً وأخذ منهم مالاً عظيماً حتى لم يبق منهم موضعٌ للضرب؛ فكان محمد بن هشام مطروحاً، فإذا أرادوا أن يقيموه أخذوا بلحيته فجذبوه منها؛ ولما اشتدت عليهما الحال تحامل إبراهيم لينظر في وجه محمدٍ فوقع عليه فماتا جميعاً، ومات خالدٌ القسري معهما في يومٍ واحدٍ.
قال يعقوب: ودفع الوليد إبراهيم ومحمداً ابني هشام إلى خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي، موثقين، فدخل بهما المدينة يوم السبت لاثنتي عشرة بقيت من شعبان سنة خمسٍ وعشرين ومئة، فأقامهما بالمدينة، ثم كتب الوليد بن يزيد إلى يوسف بن محمد، أن يبعث بهما إلى يوسف بن عمر الثثفي، وهو عامله يومئذ على العراق، فلما قدم بهما عذبهما حتى قتلهما، وقد كان رفع عليهما عند الوليد أنهما أخذا مالاً.