وتركنا وما نحن فيه، وبكى النساء وأهل الدار؛ ثم دعاني من غدٍ، فقال لي: قد مضى عبد العزيز لسبيله ولابد للناس من علمٍ وقائمٍ يقوم بالأمر من بعدي فمن ترى؟ قلت: يا أمير المؤمنين سيد الناس وأرضاهم وأفضلهم الوليد بن عبد الملك؛ قال: صدقت وفقك الله؛ ثم من ترى أن يكون بعد؟ قلت: يا أمير المؤمنين أين تعدوها عن سليمان فتى العرب؟ قال: وفقت، أما إنا لو تركناها للوليد لجعلها لبنيه، اكتب عهد الوليد وسليمان من بعده؛ فكتبت بيعة الوليد ثم سليمان من بعده، فغضب علي الوليد فلم يولني شيئاً حين أشرت لسليمان من بعده.
قال محمد بن يزيد: لما قام سليمان بن عبد الملك بعثني إلى العراق إلى المسيرين، إلى أهل الديماس الذي سجنهم الحجاج؛ قال: فأخرجتهم فيهم يزيد الرقاشي ويزيد الضبي وعابدةٌ من أهل البصرة، فأخرجتهم في عمل ابن أبي مسلم وعنفت ابن أبي مسلم بصنيعه، وكسوت كل رجلٍ منهم بثوبين؛ فلما مات سليمان ومات عمر كنت مستعملاً على إفريقية، فقدم علي يزيد بن أبي مسلم أميراً في عمل يزيد بن عبد الملك فعذبني عذاباً شديداً حتى كسر عظامي، فأتي بي يوماً أحمل في كساءٍ عند المغرب؛ فقلت: ارحمني، قال: التمس الرحمة عند غيري، لو رأيت ملك الموت عند رأسك لناذرته نفسك، اذهب حتى أصبح لك.
قال: فدعوت الله عز وجل، فقلت: اللهم اذكرني ما كان مني في أهل الديماس، اذكرني يزيد الرقاشي وفلاناً وفلاناً واكفني شر ابن أبي مسلم، وسلط عليه من لا يرحمه، واجعل ذلك من قبل أن يرتد إلي طرفي، وجعلت أحبس طرفي رجاء الإجابة، فدخل عليه ناسٌ من الري فقتلوه، ثم أتوني يطلقوني؛ فقلت: اذهبوا ودعوني فإني أخاف إن فعلتم أن يروا أن ذلك من سببي؛ فذهبوا وتركوني.
وحدث بطريقٍ آخر: قال: بعثني عمر بن عبد العزيز حين ولي فأخرجت من في السجون من حبس سليمان، ما خلا يزيد بن أبي مسلم فنذر دمي، فلما مات عمر ولاه يزيد بن عبد الملك إفريقية وأنا بها فأخذت فأتى بي في شهر رمضان عند الليل، فقال لي: محمد بن يزيد؟