للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك إذ دخل علي رجل من باب المسجد، فقال: أين مالك بن عمارة؟ فقلت: ها أنا ذا. فقال: أجب أمير المؤمنين. فقمت مبادراً حتى دخلت على عبد الملك، فسلمت، فرد علي السلام، فقال: ادن مني. فدنوت، ثم قال: ادن مني حتى تجلس معي على السرير؛ ثم أقبل علي يسألني عن خبري وخبر مخلفي، وعن أهل مكة وما كان منهم، وقال لي: يا مالك، لعله قد ساءك ما رأيت مني؟ فقلت: والله لقد ساءني ذلك. فقال: لا يسؤك، إن ذلك مقام لا يجوز فيه إلا ما رأيت، وها هنا قضاء حقك.

ثم أمر فأخلي لي منزل إلى جانب قصره، وأقيم فيه جميع ما أحتاج إليه، وكنت أحضر غداءه وعشاءه؛ فأقمت عنده ثلاثة أشهر، فتبين في الملل، فقال: يا مالك، أراك متململاً، لعلك قد إشتقتا إلى أهلك؟ فقلت: والله يا أمير المؤمنين لقد وعدت إليهم بسرعة الأوبة. فقال: يا غلام، علي بعشر بدر، وعشرة أسفاط من دق مصر، وعشر جواري، وعشرة غلمان، وعشرة أفراس، وعشرة أبغل.

فلما حضر ذلك بين يديه قال لي: يا مالك، أرأيت هذا؟ قلت نعم. قال: هو لك، أتراني ملأت يديك عطية، وكسوتك مني نعمة؟ فقلت: يا امير المؤمنين، وإنك لذاكر لذاك؟ فقال: وما خير في من لا يذكر ما وعد به، وينسى ما أوعد به؛ والله لم يكن ذلك عن شيء سمعناه ولا خبر رويناه، ولكن تخلقت أخلاقاً في الصبا، كنت لا أساري ولا أباري، ولا هتكت ستراً حظره الله علي، وكنت أعرف للأدب حقه، وأكرم العالم، فبهذه الخصال رفع الله درجتي، وبالصالحين من أهلي ألحقني، فإن أقمت يا مالك فالرحب والسعة، وإن مضيت ففي حفظ الله والدعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>