فأتيتها فأنشدتها، فقالت: ابتدأت فمننت، فإن شفعت فبفضلك. قلت: أفعل. قالت: قل له: من الطويل
أتوك بما لا والذي سبحت له ... قريش وأعناق المطي تسوم
بأمر صليت النار إن كنت قلته ... ولكن عيب الكاشحين وخيم
فأتيته بالبيتين فزفر زفرة ظننت أن قلبه قد انصدع فقلت له: ويحك! بلغ بك الوجد ما أرى؟ فقال: من الطويل
وجدي بها وجد الموافى بغلة ... لعشر فلم يدرك على الماء ساقيا
وقد شارف الأمر الجليل فلم يجد ... على الماء إلا المعطشين الأعاديا
فأنشدتها البيتين فشهقت شهقة ظننت أن فؤادها انخلع، ثم قالت: من الطويل
كما لقي المهموم من علة الهوى ... وأكثر فيه الناظرون التماديا
فلما استبانوا ما به عدلوا به ... عن الإلف حتى ظن أن لا تلاقيا
فأودى به سقمان سقم صبابة ... وسقم هيام فهو يلقى الدواهيا
فقلت لأولئك النسوة: هل لكن في إحيائهما واحتساب الأجر في الجمع بينهما؟ قلن: إي والله. ثم رفعنا أزراً على أربع عصي، فصار كالرواق، فأدخلناهما فيه وجعلنا نتساقط حديثهما، ثم خرج إلي فقلت له: كيف رأيت يومك؟ قال: أعداني إحسانها على إساءة الدهر، وأظفرني محبوبها بمكروه الأيام، فأنا مستأنف لباقي عمري في ارتياد ساعة أخرى. ثم قال: من الطويل
فقل بعدها للدهر يأتي بصرفه ... وقل لليالي اصنعي ما بدا لك
توفي المعلى بن أيوب سنة خمس وخمسين ومئتين، وكان عفيفاً كافياً.