للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأسي يصدع، ولكن أجلس فأسقيكم. فلم ينكروا شيئاً، وجلست أسقيم وأشرب القدح بعد القدح، فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا الشراب، فجعلت أصرف لهم ورع الكأس، فيشربون ولا يدرون، فأهمدتهم الكأس حتى ناموا ما يعقلون، فقتلتهم جميعاً وأخذت جميع ما كان معهم، وقدمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجده جالساً في المسجد مع أصحابه، وعلي ثياب سفري فسلمت بسلام الإسلام، فنظر إلي أبو بكر بن أبي قحافة، وكان بي عارفاً فقال: ابن أخي عروة؟ قال: قلت نعم. جئت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي هداك للإسلام. فقال أبو بكر: أمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم. قال: فما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قلت: كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب، ونحن على دين الشرك فقتلتهم وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليخمسها أو يرى فيها رأيه، فإنما هي غنيمة من مشركين، وأنا مسلم مصدق بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما إسلامك فنقبله، ولا آخذ من أموالهم شيئاً، ولا أخمسه، لأن هذا غدر، والغدر لا خير فيه. قال: فأخذني ما قرب وما بعد وقلت: يا رسول الله! إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت حين دخلت عليك الساعة قال: فإن الإسلام يجب ما كان قبله.

وكان قتل منهم ثلاثة عشر إنساناً، فبلغ ذلك ثقيفاً بالطائف، فتداعوا للقتال، ثم اصطلحوا على أن يحمل عمي عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية. قال المغيرة: وأقمت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اعتمر عمرة الحديبية، في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، فكانت أول سفرة خرجت معه فيها، وكنت أكون مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وألزم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن يلزمه، وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكلمه، فأتاه فكلمه وجعل يمس لحية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقنع في الحديد، فقال لعروة: كف يدك قبل أن لا تصل إليك. فقال عروة: يا محمد! من هذا؟ ما أفظه وأغلظه! فقال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة. فقال عروة: يا غدر! والله ما غلست عني سوأتك إلا بالأمس. وانصرف عروة إلى قريش فأخبرهم بما كلم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>