قال: وأراه صافحني - أعلمك أن بي داء قد أعيا المتطلب بين قبلك قديماً، فهل لك أن تتأتى به برفقك، وتلصق عليه بعض مراهمك، لعل الله أن ينفع بك؟ قلت: وكيف يعالج مثلي مثلك، وجرحي انغل من جرحك؟! فقال: وإن كان ذاك كذلك فإني مشتاق منك إلى ذلك. قلت: أما إذا أبيت، فلئن كنت تمسكنت باحتقار قبرك في بيتك، وبوصية رسمتها بعد وفاتهك، وبكفن أعددته ليوم منيتك فإن لله عباداً اقتطعهم خوفه عن النظر إلى قبورهم. قال: فصاح صيحة ووقع في قبره، وجعل يفحص برجليه وبال، فعرفت بالبول ذهاب عقله، فخرجت إلى طحان على بابه فقلت: ادخل فأعنا على هذا الشيخ؛ فاستخرجناه من قبره وهو في غشيته، فقال لي الطحان: ويحك، ما أردت إلى ما صنعت بهذا الشيخ؟ والله لا يغفر الله لك ما صنعت؛ فخرجت وتركته صريع فترة، فلما كان من الغد عدت إليه، فإذا بسلخ في وجهه، وشريط شد به رأسه لصداع وجده، فلما رآني قال: يا أبا السري! المعاودة. قلت: يكون من ذلك ما قدر. فقلت له: فأين بلغت أيها المتعبد من أحزانك؟ وهل بلغ الخوف ليلة من منامك؟ فتالله لكأني انظر إلى أكل الفطير والصابر على خبز الشعير، يأكل ما اشتهى وسعي عليه بلحم الطير، وسقي من الرحيق المختوم! قال: فشهق شهقة، فحركته فإذا هو قد فارق الدنيا.
قال منصور بن عمار: حججت حجة فنزلت سكة من سكك الكوفة، فخرجت في ليلة مظلمة، فإذا بصارخ يصرخ في جوف الليل وهو يقول: إلهي! وعزتك وجلالك، ما أردت مخالتفك، ولقد عصيتك إذ عصيتك وما أنا بمكانك جاهل، ولكن خطيئة عرضت، أعانني عليها شقائي، وغرني سترك المرخى علي، وقد عصيتك بجهدي، وخالفتك بجهلي، فالآن من عذابك من يستنقذني، وبحبل من أتصل إلا أن أتصل إن أنت قطعت حبلك مني، وأشباباه! فلما فرغ من قوله تلوت آية من كتاب الله: " وقدوها الناس والحجارة عليها